/ صفحه 331 /

بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
كان من أهم أسباب النزاع التي تفضي بالشعوب والدول إلى الخصومات والحروب، تلك الرغبة الطبيعية التي تمتلئ بها جوانح الإنسان من حب الغلب والقهر والاستئثار بأكبر حظ من متع الحياة ولو على حساب غيره، وقد سجل التاريخ كثيراً من أخبار الحروب التي كانت المطامع تشب نيرانها، وكيف كانت دول تنشأ، وأخرى تموت، وملوك تعز، وأخرى تذل، وكيف كانت الدماء تسيل أنهارا، والارواح تحصد حصداً لان زعيماً مسلطا، أو قائدا مظفراً، يريد أن يفرض سلطانه، أو يبني مجده، أو يجعل له في التاريخ شأنا وذكرا.
وقد ظل هذا الروح الآثم يسيطر على العالم ويتحكم في مصائر الامم إلى عصرنا هذا مع فرق يسير بين الماضي والحاضر، هو أن جبابرة الاولين كانوا صرحاء يصفون الواقع، ولا ينافقون فيه، ويعلنون ما يريدون أن يصلوا إليه من مجد الغلب والنصر والتوسع إعلانا صريحا واضحاً، أما جبابرة العصر الحديث فيتظاهرون بالدفاع عن المبادئ والمثل، والرغبة في رفع مستوى الإنسان، ومنحه الحقوق الطبيعية للبشر، وأمثال ذلك مما يتشدقون به، ويختفون من ورائه، ويجعلونه حبا ينثرونه حول حبائلهم، وطُعماً يغرون به فرائسهم، وكان من جراء ذلك أن اتخذت كل أمة من الامم العظمى، بل كل دولة متحكمة في امة، مبادئ زعم رجالها انهم يؤمنون بها، ويعملون عليها، وجعلوا يبشرون بها الخافقين،