/ صفحه 393/
والمتأخرين ممن خاضوا في الكلام، وجادلوا فيه، وطوفوا به في كل واد، لهذا كان الشريف رضي الله عنه أديباً كاتباً عالماً متكلماً فقيهاً، ولهذا كله كان " نقادا ".....
وإنا لموردون في مقالنا اليوم عن كتابه بعض الأمثلة على ذلك، متحرون أن تكون من الطراز الذي يشترك فيه أهل العلم والأدب جميعا:
1 ـ فمن ذلك أنه ساق في مجلسه الأول خبراً يروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو قوله: " من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم "، وساق آراء أهل العلم فيه، فروى عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه فسر " الأجذم " بالمقطوع اليد واستشهد بقول المتلمس:
وما كنت إلا مثل قاطع كفه ****** بكف له أخرى فأصبح أجذما
وروى عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة نقداً لهذا التأويل خطَّأ فيه أبا عبيد، ذلك أنه قال: الأجذم وإن كان مقطوع اليد فإن هذا المعنى لا يليق بهذا الموضع، لأن العقوبات من الله لا تكون إلا وفقاً للذنوب وبحسبها، واليد لا مدخل لها في نسيان القرآن، فكيف يعاقب فيها ؟ واستشهد ابن قتيبة على ذلك بقوله تعالى: " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " فان الربا إذا أكلوه ثقل في بطونهم، وربا في أجوافهم، فجعل قيامهم مثل قيام من يتخبطه الشيطان تعثراً وتخبلا، واستشهد أيضا بما روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من قوله: " رأيت ليلة أسري بي قوماً تقرض شفاههم، وكلما قرضت وفيت، فقلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك تقرض شفاههم لأنهم يقولون ما لا يفعلون ".
هذا ما نقد به ابن تقيبة أبا عبيد، فأما ما اختاره هو في معنى الحديث فإن الأجذم إنما هو المجذوم، وإنما جاز أن يسمى المجذوم أجذم، لأن الجذام يقطع أعضاءه ويشذِّ بها، والجذم القطع.
فقد نظر هذان العالمان إلى لفظ " أجذم " الوارد في الحديث، فحاما حول