/ صفحه 149/
بوضع تشريع كهذا، ذلك أن فكرة القانون الدولي تفترض قبل كل شيء الاعتراف بضرب من المساواة و اشتراك المصالح و تبادل الحقوق و الواجبات بين مختلف الآمم، و هذا لم يكن ليتفق و النظريات اليونانية و الرومانية، فأما قدماء اليونان فانهم، و إن كان يتعاملون فيما بينهم على قدم المساواة أو يكادون ـ على رغم الصراع الدائم بين مملكتى أسبارطة و أثينا ـ كانوا ينظون إلى الشعوب غير اليونانية نظرتهم إلى كائنات جد منحطة، حتى إن ارسوط كان يرى أن البرابرة (و يعنى بهم الأجانب) ما خلقوا إلا ليقرعوا بالعصا و يسلبوا و يستعبدوا، و كذلك كان الأمر في التشريع الروماني، فإنه لم يكتف بأن وضع نوعين متباينين من القوانين، أحدهما: للمواطنين (القانون المدني) و الآخر: لسكان البلاد الممتلكة (قانون الشعوب) بل إنه لم يكن يعرف في الصلات الخارجية إلا قانون القوة الباطشة، فلم يجعل للأمم الأخرى حقاً في دفاعها عن نفسها، و لا في أمنها ودعتها، و إنما كان دستورها في نظره: "العبودية أو الفناء" و إذا كان قد اتفق لروما في بعض الأحيان أن وضعت معاهدات سلمية على وجه دون وجه، فلم يكن ذلك راجعا إلى أن هناك قانوناً يقتضى بهذا الشرط المعين أو ذاك، بل كان مصدره محض التفضل أو السعى و راء الأغراض و المنافع.
ولو أننا بحثنا فكرة القانون الدولي في أوربا في العصور الحدية ما وجدنا كبير فرق بينها و بين تلك العصور الأولي، على رغم التقدم الفعلى في تدوين قواعد هذا التشريع العام، ذلك أن فكرة تساوى الناس أمام القانون ـ تلك الفكرة التي طالما طالبت بها الشعوب و تشدقت بها الحكومات ـ لم تتخذ بعد في نظر الغربيين صبغة القانون العام الشامل، ألم يقل: ن"دستورات ميل " باستحالة تطبيق القانون على الشعوب الهمجية؟ أو لم يحدد "لوريمير" على وجه الأرض مناطق ثلاثا تخضع كل منها لقانون مختلف؟ فالعالم المتمدين يجب أن يتمتع في نظره بحقوق سياسية كاملة، و العالم نصف المتمدين يكفى أن يتمتع بحقوق سياسية جزئية، بينما الشعوب غير المتحضرة ليس لها إلا حقوق عرفية لا تحمل إلزاماً قانونياً، وجاء ميثاق "عصبة الأمم" بعد الحرب العالمية الأولى فأقر هذا التقسيم الثلاثي وأكسبه سلطة