/ صفحه 203/
عالج حال الأرقاء بالفعل علاجا يشبه الالغاء، بقصد رد الحرية إلى كل من فقدها مسلما كان أو غير مسلم، ففرض العتق كفار‌ة لكثير من الجرائم. في القتل الخطأ، في الظهار؛ في احنث في الأيمان؛ وجعل التعاقد على مال سبيلا للحرية؛ وجعل الولد وسيله لتحرير أمه، ثم رّغب في العتق ابتغاء مرضاة الله، وجعله من وسائل اقتحام العقبة يوم القيامة: فك رقبة، وجعل من مصارف الزكاة. وهكذا أخذ يتلس الأسباب لرد الحرية إلى فاقديها، كرامة للإنسانية، وتميدا لإلغاء الرق بزوال سببه، ويكفى أن الإسلام راعى حاجة البشرية يومئذ فلم يشأ أن يقلب كل أوضاعها الاجتماعية والأقتصادية التي كانت تقوم على الرق، ثم رسم طريق إلغائه ولم يقرولن يقر وسائل الخطف التي اتبعها الأوربيون فيما مضى ولا زالوا يتبعونها حتى اليوم باسم " استجلاب الأيدى العاملة" على أن استعباد فردٍ إلى أمد ما، لا يبلغ مبلغ استعباد شعوب بأسرها.
وقد رفع الإسلام في وصاياه الخلقية مكانة الرقيق إلى مكانة سادته، فلم يهدر آدميته كما كان متواضعا عليه، بل كرمه تكريما، فلم يجعله عبداً لمسترقه، وإنما جعله خادما له، وفى ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "لا يقل أحدكم عبدي، أمتي! وليقل فتاى وفتاتي! (1)" ويقول: "اتقوا الله في خولكم فانهم أشقاؤكم لم ينحتوا من جبل، ولم ينشروا من خشب. أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون، واستعينوا بهم في أعمالهكم فإن عجزوا فأعينوهم،(2) " ومن شاء فليرجع إلى مباحث العتق في كتب الحديث والفقه فإنه يجد عناية بحرية الأرقاء، تفوق العناية بحرية الأحرار في العصر الحديث.؟
{يتبع}

ـــــــــــ
(1) البخارى ج 3، ص 150، طبع الخيرية.
(2) محاضرات الأدباء طبع المويلحي، ج 1، ص 134.