/ صفحه 30/
بذلك تعلم أن مفسرين يحملون الآيتين على الزنا سواء أكانتا منسوخين أم باقيتين على التأويل الثاني في كل منهما، وتراهم حين يفرغون من تفسير الآية على هذا الوجه يسوقون فيهما بصيغة التمريض والتضعيف وجها آخر فيجعلون الآية‌ الأولى في السحاق، والثانية في اللواط مما يشعرك بأن هذا الوجه في الآيتين غير ملتفت إليه .
هذا ونحن إذا نظرنا في الآيتين وأمعنا النظر في معنا هما مستحضرين أن للقرآن بلاغة بلغت حد الإعجاز، مستحضرين أنه عني أول ما عني بسلامة المجتمع من كل عيب وصيانته عن كل ما يمسه في خلقه خصوصا ما يمس رجولة الرجال وأنوثة الإناث حتى يبق لكل فرد في المجتمع شرفه الذي يتقدم به في الحياة جريئا على قيامه بواجبه ليقوي البناء ويصان عن التهدم.
إنا إذا نظرنا في الآيتين على ذلك الوجه وجدنا ما فسروا به غير واضح وغير وجيه.
أما أولا: فإن فاحشة الزنا معروف أنها متولدة بين الجنسين ولذلك ترى القرآن حين ذكرها عبر عن الرجل بالراني وعن المرأة بالزانية وجمعهما في قرن واحد فقال (الزانية والزاني ) فتراه قد عبر عنهما بوصفيهما من تلك الجريمة، ولم يقل النساء في جملة وحدها، والرجال في جملة وحدها. أما في هاتين الآيتين فقد قال في الأولى واللاتي وفي الثانية واللذان، وأفراد كلا بعبارة تخصه، فجعل الفاحشة في الأولى من النساء الصرف وفي الثانية من الرجال الصرف، وفاحشة الزنا لا تكون منهن إلا مع الرجال ولا يمكن أن يقال في الأولى إن في ذلك تغليبا فليس ذلك موطن التغليب.
ولذلك يحاول أحد من المفسرين أن يحملها على التغليب وفي ذلك ما يشير في وضوح إلى أن الفاحشة في الأولى ليست إلا ما يكون بين النساٍء الصرف وفي الثانية إلا ما يكون بين الرجال الصرف.