/ صفحه 373/
ولم يكتف النبى (صلى الله عليه وسلم) بهذا، فقر لهم أن العمل عل تقوية الاجتماع يقى من عذاب يوم القيامة، وعذبها تقشعر من سماعه الأبدان. فقال:
"من زحزح عن طريق المسلمين شيأ يؤذيهم، كتب الله له به حسنة، ومن كتب له حسنة أوجب له بها الجنة":
"من أقر عين مؤمن أقر الله عينه يوم القيامة".
"إذا التقى المؤمنان فتصافحا، قسمت بينهما سبعون مغفرة، تسع وستون لأحسنهما بشرا".
كل هذه الأحاديث وكثير من أمثالها، مما ليس له نظير في دين من الأديان، ولا جاء على لسان واحد من المصلحين الاجتماعيين. جعلت من جماعة المسلمين أمة كرجل واحد، وإذا بلغت أمة هذا الحد من التضام والتعاون، فلا يمكن أن تنحل أو تختل بتأثير الحوادث العادية، ويكون لابد لحدوث ذلك النحلال من عوامل أقوى منها تتنزل من ضعف إيمانها بمصدر الوصايا التي ذكرت بعضها في هذه العجالة، وطروء الضعف على هذا المصدر يصعب في قرن أو قرنين، وعوامله أكثرها علمية أو فلسفية تطرأ على شكل شبهات، وهى لا تحدث في الأمم إلا بعد أن يبلغ العلم فيها أشده بعد عدة أجيال، أى بعد أن يكون الغرض المقصود من التبلغ العام قدتم وأحدث في العالم ثمراته المرجوة. وهذا هو الذي حدث فعلاً، فبعد أن أتم الإسلام تأليف أمته المثالية بإحداث الانقلابات الاجتماعية والتطورات الفكرية، والتوجيهات الأدبية، في الأمم كافة، وبعد أن أصبحت حجة الله قوية، بل بدهية استوى العالم كله إزاءها، فمن استهدى بنورها، وسار على سمتها، بلغ الغاية مما خلق له، ومن تنكبها وسلك غير سبيلها فقد حقت عليه كلمة الله وأصبح من النادمين "قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين"؟