/ صفحه 421/
بعض المنشئات الاجتماعية المصْرية
في العصور المؤسطي
لحضرة الأستاأ أحمد محمد عيسي
أمين مكتبة جامعة فؤاد الأول
حُبِّبَ إلى ـ فيمن أحببتهم من المؤرخين ـ المقريزى مؤرخ مصر في العصور الوسطي، وحبب إلى، بصفة خاصة، كتابه "فهو كتاب حفظ لنا من أخبار مصر والقاهرة، مالم نظفربه من كتاب آخر، وكانت ملاحظات المقريزى من الدقة والبرعة، بجيث جعلت مؤلَّفه هذا كنزاً فياض المعين لكل باحث في التاريخ المصرى في تلك الفترة. ويبدو لى أن المقريزى لم يترك شاردة ولا واردة من حياة العامة والخاصة إلا انتبه لها، ولا حقظ عليها ودونها في كتابه. والمقريزى مؤرخ قوى الملاحظة، واسع المعرفة، متأمل أكثرمنه راوية، أكسبته وظائف الدولة ورحلاته للشام والحجاز، أنواعاً من الدراية، جعلت لكتاباته أهمية كبيرة. على أنه وهو خارج مصر ظل يذكرها، ويحبها، ويحب القاهره، التي ولد بها، فشغل نفسه بالكتابة عنها وبدافيما كتب أنه قاهرى قح.
وفى اعتقادى أن المقريزي، فيما كتب من ملاحظات على أحوال الناس بمصر، لا يبعد كثيراً عما كان يلاحظه على أحوال الناس في الشرق الإسلامى عامة، لأن حياة الناس في تلك العصور تكاد تكون متشابهة سواء في القاهرة أم في دمشق أم في بغداد، أم في غيرها من العواصم الإسلامية الكبري، وذلك لأنه لم تكن بين تلك البلاد حواجز، ولأن تحركات الجيوش، وهجرات العلماء، واستقدام الفنانين والصناع، جعل العالم الإسلامى وحدة متشابهة في نظمها، ووسائل معيشتها. وأنا حين أقرر ذلك لا أستطيع أن أنكر الأثر الخطير للبيئة والعنصر القوى في ذلك التشابه.