/ صفحه 73/
وأن قتالهم فريضة واجبة، حتى لا يبقي على ظهر الأرض منهم أحد، أو يعترفوا عل أنفسهم بالكفر ثم يعودوا إلى الإيمان، ولكن هذا الرجل مع عقيدته تلك، ومع خطورة شأن الحجاج في قتالهم وحربهم، يلتزم جانب الوافاء، ويعتصم في شأن الحجاج ـ الذي أحسن إليه، وبادله معروفا بمعروف ـ بهذا الخلق الكريم، ويحسن الدفاع عن رأيه، والتعبير عن حجته بهذا الشعر القوي النابع من قبله، الممثل لفطرته الصافية الصادقة، فتراه ينقل السامع إلى صورة مجسمة، يقف فيها هو شاهراً سيفه على الحجاج بهذه اليد التي كان في استطاعته ـ لو شاء ـ أن يبترها ويبتر من الوجود صاحبها، ولكنه وهبها السلامة، ومنّ عليها وعلى صاحبها باحياة، فكانت له بذلك مولاة، وكان لها سيدا مالكا، ثم ينقل سامعه كرّة أخرى إلى صورة أخرى يتخيلها الضمير الحي، والخلق الكريم: صورة امريء قد طوق عنقه بجميل، فيأتي إلى صانع هذا الجميل، ويجزيه عن إحاسنه سوءا، وعن مروءته وعرفانه غدرا ونكرا، فيقف أزاءه في الصف قد تسربل بالخزي، وتجلل بالعار، ولجلج الكلام في فيه، فلا يستطيع خطابا، ولا يحير جوابا، بينما قرنه قد وقف رافع الر،س، شامخ الأنف، في هالة من المروءة وانبل، تحتج له فعلاته، ونذود عنه مكارمه، ثم ينقل سامعه أخيرا إلى هذه الصورة الثالثة، صورة الأقوام وقد قامت مجالسهم وانفضت، واجتمعت جموعهم وتفرقت، على حديث هذا الغادر الناكث، الذي غرست لديه نخلات المعروف، فصريها معدنه الخبيث حنظلا نكدا.
لا شك أن الشاعر بلغ بأبياته الثلاثة أقصي ما يبلغه مصور ماهر، أو مثال قدير في هذا المجال، وأنه إن لم يكن أرضي قائده قطرياً وأحسن الاعتذار إليه، فقد أرضي الوفاء، وكرم وجه الخلق، ودل على معدن في نفسه كريم، والتمس لنكوصه ـ إذا سمي هذا نكوصا ـ عذرا مقبولا مستساغا في شرعة الإنصاف.
ولقد كان هؤلاء الخوارج آية في البيان، ومفخرة من مفاخر البلاغة العربية، ذلك ب،نهم يقولون من قلوبهم، ويعبرون عن دخائل نفوسهم، ويصورون المعاني