/ صفحة 147 /
وإمامنا في دلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنه مثلا لم يرد أن يعطي المؤلفة قلوبهم من الزكاة، لأنه أدار الحكم على العلة وجوداً وعدما، فلما لم يكن الإسلام في حاجة إلى تأليف القلوب
لكثرة من دخل في الإسلام، وقف إعطاءهم الزكاة، ولما رأى الناس أكثروا من الحلف بالطلاق الثلاث بلفظ واحد أدبهم بإيقاعه ثلاثاً مع أن القرآن الكريم يقول (الطلاق مرتان) والطلاق الثلاث هو مرة من المرتين، ولما حد المسلم حدَّ الشرب ورآه بعد ذلك قد تنصر والتحق بالقسطنطينية، إلى على نفسه أن لا يحد مسلما بعد ذلك أيام الحرب. وسرق مسلم من مُزَينة في أيام المجاعة، فأمر بحده ثم أمر برده، وألزم قبيلته أن تدفع ثمن الفاقة، وقال: إنكم أجعتموهم فسرقوا. إلى كثير له من أمثال ذلك. فكان كما قلت، يدير الحكم على حسب العلة، فإذا لم تتحقق العلة لم يُحقِّق المعلوم.
ومجلس الشورى كان يفعل مثل ذلك في الأندلس، فقد واقع عبد الرحمن الناصر زوجته في رمضان، فافتاه بعض العلماء بتحرير رقبة كما هو الترتيب في الكفارة فأبي يحيى بن يحيى الليثي رئيس جماعة الشورى عليه ذلك نظراً لأنه أمير وغنى ومن السهل عليه أن يحرر رقبة، فلابد من عقوبة رادعة، وهي أن يصوم ستين يوما بدل اليوم الذي أفطره تحقيقاً لمقصد الشريعة. فالاجتهاد الذي نريده من هذا القبيل، فإذا جَدَّ للمسلمين موقفٌ دُرِسَ موقفُهم بعينين.
إحداهما مقاصد الشريعة الكلية. والأخرى موقف المسلمين الحاضر. وفي كل عصر تجد مسائل تحتاج إلى هذا الاجتهاد بدليل ما كان يرد على المرحوم الشيخ محمد عبده من مسائل جديدة يطلب أصحابها الفتوى الإسلامية فيها، مثل: ذبيحة أهل الكتاب ولبس القبعة إذا اضطر الناس إليها، وإيداع المال في صناديق التوفير، والاشتراك في شركات التأمين على الحياة، ونحو ذلك من المسائل والأقضية التي تجد في العالم الذي هو في تطور مستمر. فكل يوم تظهر أحداث تتطلب أحكاما شرعية، فما لمُ تقابَل بالاجتهاد العاجل ومجابهة الموقف أصيب المسلمون بالحرج، وكان علماء الفرس (1) أوسع
(1) يقصد علماء الشيعة الإمامية.