/ صفحة 204 /
الشعوب، استخدمهم العرب، فأسبغوا على ذلك الفن كل ما لديهم من مواهب وإحساس بالجمال، ويظهر أثر هذا واضحاً في فني المعمار والزخرفة، اللذين سادا جزءا كبيراً من العالم المعروف وقتذاك، على حين حالت قيود العقائد المتوارثة التي فرضها رجال الكنيسة دون تقدم فني التصوير والزخرفة في أوروبا.
ولا شك أننا واجدون أسرار ذلك المزيج الثقافي والفني الذي خلقه العرب، وعاشوا في جوه إذا عرفنا ما يأتي:ـ
1 ـ إن قوة الإسلام وسهولة اكتساحه لبلاد تمتد من الهند ونهر جيحون شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، هي إحدى عجائب التاريخ. والأعجب أن العرب استطاعوا بقليل من الرائدين، الاحتفاظ بالبلاد المفتوحة دون أن تحدث إقامتهم بهذه البلاد شغبا أو ثورة ـ وهذا باستثناء المصريين الذين ثاررا على الحكم العربي مثلما ثاروا قبلا ضد الكنيسة البيزنظية، وضد حكامهم البيزنطيين.
2 ـ أن للقوة وفنون الحرب قيمتهما في الفتح والغزو، ولكنهما كانتا دون ما تيسر للإسلام من سلطان قوي على نفوس المغلوبين.
3 ـ أنه برغم ماحدث أحيانا من حروب بين العرب أنفسهم، قد شعرت الأمم المغلوبة ـ وهي المتباينة في أخلاقها وأجناسها ـ أنها أكثر قوة واتحاداً في ظل الإسلام عنها قبلا.
4 ـ أن الفن الإسلامي ازدهر من تلقاء نفسه، وتقبلته الشعوب المغلوبة راضية، هذا فضلا عن أن نضوجه يرجع إلى بداية القرن الثامن الميلادي، وهو نضوج مبكر فيما نعتقد.
والحقيقة أن الفن الإسلامي، أضحى ثمرة طيبة لتطور ثقافي رائع بين العرب الذين كان إخلاصهم وتقواهم مختلفاً عما اتصف به الأوروبيون في أوائل العصور الوسطى من جهل وتعصب. هذا فضلا عن تحرره من خرافات الوثنية والمسيحية وخلوه من الانقسامات المريرة التي عمت أحوال الكنيسة وقتذاك.
[للمقال بقية]