/ صفحة 206 /
ولقد ضلت الإنسانية قرونا طويلة، ولم تهتد إلى مفهوم الخير والشر، ثم خطا الإسلام بها خطوة واسعة، فهو في الوقت الذي يأمرك فيه بفعل الخير وترك الشر، يحدد لك مفهوم الخير والشر تحديداً واضح المعالم، لا تضل بعده ولا تشقى، فهو يعلن أن كل ما يحقق مصلحة للفرد أو الجماعة، أو يدفع ضرراً عن الفرد أو الجماعة، فهو خير يجب أن يفعله المؤمن ابتغاء وجه الله، كذلك كل ما يعطل مصلحة أو يلحق ضرراً بالفرد أو الجماعة، فهو شر يجب أن يترك لوجه الله، والمؤمن في فعله أو تركه يقصد بالعمل وجه الله، لأن الله هو المشرع ومن حقه أن تطاع أوامره، ومن واجب المؤمن أن يمتثل أمر الله من غير تردد أو تشكك، ومن هذا نرى أن الإسلام هو أول داع إلى الخير لذات الخير، والي الفضائل لأنها فضائل، وأن دعوته الخلقية تقوم على إعداد روحي خاص، يطهر النفس ويزكيها، ويجعلها محلا لتقبل الأمر يفعل الخير والتزام الفضائل، ابتغاء وجه الله، والتقرب إلى الله، ونشدان الكمال، وهذه الدعوة المثالية إلى الخلق الكريم، لم تعرف البشرية لها صفة ولا منهجا واضحا قبل الإسلام، مما يجعلنا نقرر في غير تردد: أن الإسلام هو أستاذ جميع المذاهب الأخلاقية (الواجبية) لا سيما المذاهب الحديثة التي ظهرت بعده، والتي فتنت بعض (المستغربين) من المسلمين، لأن الإسلام، باتفاق العلماء في الشرق والغرب ـ وجه الحياة الإنسانية كلها عند المسلمين وغير المسلمين واثر اثاراً واضحة معترفاً بها في جميع العلوم والآداب التي أنتجت نهضة أوربا، غير أن الإسلام يمتاز على هذه الآراء الفردية بتحديد معنى الخير والشر، تحديداً واضحاً ليس فيه لبس ولا غموض، بينما تجد هذه المذاهب غير متفقة على ما هو خير أو شر، ولم يحدد مذهبٌ مفهوم كلمتي الخير والشر تحديداً سليما واضحاً يقبله العقلاء.
ولقد كانت عناية الإسلام عظيمة بتربية الخلق الفاضل في الفرد والجماعة، وقد عبر عن هذه العناية أبلغ تعبير محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وكان من خير ما امتدح الله به رسوله