/ صفحة 208 /
ولهذا العنصر الأخلاقي كانت الشريعة الإسلامية ـ عند فقهاء المقارنة ـ مستقلة، غير مستمدة من التشريع الروماني.
وإذن، فتكاد تجد مهمة الإسلام، ومهمة رسوله عليه الصلاة والسلام، مهمة أخلاقية! فما الأخلاق إذا لم تكن هي تهذيب النفوس وتزكيتها وتطهيرها؟ ثم ما هو الدين، إذا لم يكن تنظيما للسلوك العام للإنسان مع خالقه، ومع بني أبيه؟ وما الدين إذا لم يكن هو حسن الخلق؟
للإسلام منهج أخلاقي ممتاز، تتمثله في كل آية من القرآن الكريم، وكل حديث للنبي الكريم، في كل أمر أو نهي، وفي كل مبدأ من المبادئ. فإذا لم يكن للإسلام منهج أخلاقي، في دعوته إلى الخير والجمال، والتزام الفضائل بغية الكمال، فكيف وأين يكون هذا النمهج المستقيم؟؟
ما هذه المذاهب الأخلاقية التي تقرن أو تقارن بالإسلام؟ هل يراد أن تكون (خلقية الإسلام) الجميلة الواضحة، مثل ما تدعو إليه المذاهب الأخلاقية؟ وهي آراء أفراد غير معصومين من الخطأ، وهم مظنة الهوى، ولم يسلم واحد منهم من التجريح؟ ثم هي بعد ذلك آراء مجروحة، وكثيراً ما اتخذها اللاحقون أداة سخرية بالسابقين؟ وهل يرد إخواننا (المستغربون) أن يكون للإسلام مذهب في الأخلاق كمذهب زينون الرواقي، أو كمذهب أبيقور، أو مذهب (كانت)، أو سبنسر؟ وهل يريدون أن يخضعوا منهج القرآن الأخلاقي للجدل والتجريح على الطريقة التي يتناولون بها مذاهب هؤلاء الأخلاقيين؟!
ما بالنا نسمع اليوم أناساً ينسبون الإسلام إلى مذاهب أفراد في السياسة أو الاجتماع أو الأخلاق! فهل سر هذا هو الجهل بالإسلام، أو الكيد للإسلام؟
نسمع مثلا (الاشتراكية الإسلامية)، (الديمقرطية الإسلامية)، وليس للإسلام مذهب أخلاق، فما هذا؟ إن الإسلام لا يعرف الاشتراكية، ولا يعرف الديمقراطية، ولا المذهبية، وإنما الإسلام دين وشرع. له خصائصه، ومناهجه التي يتميز بها في الحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد والأخلاق، للإسلام كيان خاص، و(شخصية معنوية) خاصة، وهو سابق غير مسبوق في كل ما قرره في مسائل الحكم وسياسة الشعوب، ونظام الاجتماع البشري، فكيف يستساغ عند بعض (المُتمسلمين) أن يغمطوا الإسلام بنسبته إلى أفكار ظهرت بعده وتلمذت عليه؟ وكيف ينسب السابق إلى اللاحق، والعكس هو الصحيح؟.
إن من حق الإسلام أن يُحكم في هذه الأفكار، وأن تنزل هي عليه، إن وجدنا إلى ذلك سبيلا، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، ويسلموا تسليما).