/ صفحة 25 /
إن مثل المسلمين إذا احتفظوا بخلافاتهم، وأنصتوا لداعي الفرقة والقطيعة، كمثل شعب قامت فيه حرب أهلية طاحنة، فهي تشغل أبناءه، وتستنفد قواهم، وتضيع جهودهم، وتلهيهم عن إصلاح أحوالهم، وتقويم معوجهم، وتعين عليهم أعداءهم، وتكون سبباً دائماً في إثقال كواهلهم بما لا يحتملون من الأعباء، وفي إلباسهم لباس الذل والخوف والشقاء.
لقد ألحت هذه الحرب الأهلية الضروس على الأمة الإسلامية منذ قرون، فقطعت ذات بينها، وأفسدت كثيرا من خطط الإصلاح على واضعيها، والداعين إليها، وما علمت حرباً كهذه نيرانها حامية، وأسبابها واهية.
فليتدبر المسلمون موقفهم، ولا سيما في هذا الوقت العصيب، الذي فغرت فيه المطالع أفواهها لابتلاعهم، والذي أصبحت القوة فيه والتكتل هي لغة التخاطب السائدة، وأسلوب التفاهم المفيد، ولينسوا ما بينهم من الخلافات التي أوهنتهم، وثبطت من عزائمهم، وليقفوا صفاً واحداً لإنقاذ أنفسهم ودينهم، بل لإنقاذ العالم من المطامع الفاسدة، والمبادئ الخطرة، فإنهم أهل فكرة، ووراث رسالة، وإن الله سائلهم عما أورثهم.
إني لأعلم أن أحسن ما تطفأ به هذه الحرب الأهلية التي ظلت مستعرة بين المسلمين قروناً طويلة، هو التفاهم، وأن يدرك كل شعب ما عند الآخر، ويومئذ يظهر للجميع أن أمة الإسلام متفاهمة على كل ما يكون به المسلم مسلما، وأن ما وراء ذلك لا يضر بالدين، ولا ينبغي أن يكون سببا في قطع حبل الأخوة والائتلاف، وسأنظر إن شاء الله تعالى في كل ما يعين المسلمين على إدراك هذه الحقيقة، والعمل بمقتضاها، وإن رسالة جماعة التقريب في ذلك لتلتقي مع رسالة الأزهر، الذي يرى حقاً عليه أن يبصر الأمة الإسلامية بأمرها، ويرشدها إلى ما يجب أن يقوم عليه شأنها من المودة والتراحم والألفة، وتبادل العلم والمعرفة.
أسأل الله أن يهيئ للمسلمين من أمرهم رشداً، وأن يوفق قادتهم وزعماءهم إلى النجاة بهم من العواصف والأنواء، إنه سميع مجيب.