/ صفحة 257 /
سواهم، ولا صلاح لمن سواهم الابهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله.
وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لايدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره الا قليلا، وإنّما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها، وإنّما يعوز أهلها لاسراف الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر".
وقد أدى بُعد نظر الامام به إلى أن يدعو إلى تقسيم الأعمال وتوزيعها وهو المبدأ الذي لم تعرفه المدنية الا حديثاً فقال:
"واجعل لكن انسان من خدمك عملا تأخذه به فانه أحرى ألا يتوا كلوا في خدمتك" وقال من رسالة إلى الأشتر النخعى أيضاً:
"واعلم أن الرعية طبقات لايصلح بعضها الا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الانصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها طبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة".
ثم فصل بعد ذلك وظيفة كل فرقة تفصيلا يذكرنا بتقسيم افلاطون لطبقات المجتمع حين شبهه بجسم الإنسان، فيه القوة العقلية يقوم بها الكتاب والمفكرون، والقوة الغضبية يمثلها الجيش، والقوة الشهوية يقوم بها الصناع والزراع.
أما نصائحه وسننه التي وضعها لأفراد المجتمع في معاملة بعضهم بعضا فكثيرة يعسر حصرها، منها:
لاتتخذن عدو صديقك صديقا فتعادى صديقك.
ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فانه ليس لك بأخ من أضعت حقه.
ولا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاثد: في نكبته وغيبته ووفاته.
صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.
وبعد: فهذا بحر لاساحل له، وكنز لاتنفد ذخائره، ومنار لايطفأ اشعاعه فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً؟