/ صفحة 50 /
الوحدة إذن منشودة للإنسان بطبعه، وللأسرة بطبعها وللقوم بطبيعته، وللعالم بطبعه. ولولا أن التعدد هو طبيعة كل أمر من ذلك لما هدف كل واحد منها للوحدة. فالتعدد إذن أمارة ودليل على الوحدة، أو منه يكون الكفاح والسعي للوحدة. وفي الوحدة الخير لأنها نهاية الكفاح والسعي. وما دام هناك تعدد فهناك كفاح، وما دام هناك كفاح فالأمر لم يتمحض للخير، وما دام الأمر لم يتمحض للخير فهناك شر. والشر إذن أماره ودليل على الخير، أو منه يكون الكفاح والسعي إلى الخير.
* * *
العالم إذن صائر إلى وحدة وبالتالي إلى الخير. أوهو مفروض فيه أن يصير إلى ذلك بحكم طبعه. والوحدة أو الخير أمل العالم وهدفه بحكم طبيعته أيضاً. ويستحيل إذن أن يكون هدفه التعدد أو الانقسام ـ وبالتالي الشر ـ بحكم طبيعته كذلك.
هذه الوحدة ـ أو الخير ـ التي يسعى إليها العالم هي خلاصته، أو ما يتمخض عنه كفاحهم هي الباقي بعد استنفاد الكفاح موضوعه. الوحدة ـ أو الخير ـ إذن العنصر الباقي في الوجود، وما عداه سيفنى، وصائر للفناء حتما، بحكم طبيعة الوجود.
الوحدة ـ أو الخير ـ قمة الوجود أو مطلوب كل كائن فيه. ولأنها العنصر الباقي فيه كانت أسمى كائناته: إن اتجه إليها الإنسان يتجه إليها بطبيعته، وان ميزها في الوجود ميزها لا عن رغبة وهوى، بل عن ضرورة من واقع الوجود نفسه. وليس تقديسه لها سوى الاعتراف بميزتها، وليست عبادته للواحد سوى إيمانه بانفراده بالبقاء.
والدين عبادة. وإذن هومن ضرورات الحياة أو الوجود. وأسمى الأديان ما كان معبوده الواحد الباقي، وخير المذاهب والاتجاهات ما دعا إلى الوحدة.