/ صفحة 52 /
وهذا هو الفرق بين المعاملات المستندة إلى القوانين الوضعية، والمعاملات المستندة إلى الشريعة.
فالأولي ليس لها في نظر الإنسان تلك القداسة التي تتمتع بها الثانية.
والأولى عرضة للتعديل والتغيير والتخفف من إثقالها، والاحتيال على الخروج من قيودها، على حين أن الثانية ثابتة مكينة لها حارس من الضمائر ووازع من القلوب.
والأولى عرضة للشك في قيمتها وحكمتها وصلاحيتها، على حين أن الثانية بمنجاة من الشكوك والأوهام.
وقد نشط الفقهاء في شتى المذاهب الفقهية الإسلامية إلى دراسة أبواب المعاملات، وتتبع مسائلها، واستنباط أحكامها من الكتاب والسنة، والاعتبارات المصلحية المستندة إليهما، نشطوا إلى ذلك في صبر عجيب، ومثابرة كانت ولم تزل مضرب الأمثال، حتى أوفوا بالفقه الإسلامي العملي على الغاية، وأعجزوا من سواهم أهل الفكر والنظر عن ملاحقتهم، فضلا عن مسابقتهم، وأثبتوا لأرباب العقول واصحاب المناهج والنظم أن الإسلام هو دين الخلود، وأن شريعته هي نظام الحياة.
وليس للشريعة الإسلامية من هدف تهدف إليه في تنظيمها لشئون المعاملات إلا أن تسعد المجتمع، وتوطد في ربوعه دعائم السلم والأمن والاستقرار، وهي لذلك لا تجافي الطبيعة، ولا تناهض الفطرة، ولا تنكر الحقائق، ولا تحاول الخروج على السنن، ولا تضيق صدرا بالإصلاح، ولا تكلف الناس ما ليس في استطاعتهم.
وفي هذا المعنى يقول ابن القيم: (إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، وكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل).
ولقد جنى على الشريعة الإسلامية، أو تجنى عليها قوم جانبهم الانصاف والتوفيق