/ صفحة 72 /
وإلى ذلك يشير قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتز يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) فإن الآية الشريفة تدل لعي أن الغرض من خلق هذه الآيات المنبثة في آفاق السماوات والأرض، والعجائب المودعة في خلق الإنسان هو معرفة الله المدبر لكل شيء والخالق لهذا الكون العظيم، حتى نعرف بواسطة عظمة هذا الكون أنّ خالقه أعظم، وأنه أكبر من أن يوصف أو يحد بمكان أو زمان أو فكر، وحتى يتبين لنا أنه الحق، وأن ما يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء فاه وما هو يبالغه.
الغاية الثانية: تعظيم الله، وتقديسه، ويسبيحه، وتنزيهه عن كل نقص، وحمده وعبادته، لأنه أهل للعبادة. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك). ويدل على أن ذلك من جملة غايات الخلق، قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
الغاية الثالثة: هي الرحمة من الله لخلقه، وإليها الاشارة بقوله تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) والمشار إليه هو الرحمة في الآية الشريفة.
وأنت ترى أن الغايات الثلاث المذكورة مترتب بعضها لعي بعض، وذلك: أن الخلق إذا عرفوا خالقهم ومعبودهم معرفة تامة، عبدوه وقدسوه، فإذا عبدوه وأطاعوه وشكروه على نعمه التي لا تحصى، صاروا محلا قابلا، وموضعاً حسنا للرحمة، فتفضى بهم العبادة الخالدة، والكرامة الدائمة، والنعيم المقيم إلى لا زوال له ولا اضمحلال، بجوار الملك المتعال (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) قد فازوا برضوانه، ورافقوا ملائكته، ونزع ما في قلوبهم من غل إخوانا على سرر متقابلين، في دار لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب.
فأي غاية أشرف ن هذه الغاية؟ وأي هدف أسمى من هذا الهدف؟.