/ صفحة 74 /
والقيادة الرشيدة؛ هي التي تحتفظ بصفة الخير، وقصد صالح الأمة في توجيهها وتعد بين الأفراد في توزيع الحقوق والواجبات، عدلا يقوم على قواعد ثابتة لا تتعير حسب الهوى، أو تتبدل تبعاً للملابسات، ولابد حينئذ أن يكون المشرفون على هذه القيادة من ذوى الرسالات أو المبادئ الصالحة، رسلا كانوا أو زعماء، لأن هؤلاء القادة تحملهم مبادئهم على تحقيق العدل والحرية والمساواة بين رعاياهم ابتغاء وجه الله والصالح العام، وهم يحملون الناس على اتباع الطريق المستقيم، بسلوكهم في الحياة، وتصرفاتهم العامة، ويجعلون من أنفسهم قدوة عملية لأتباعهم، ولهذا لا تجد الرعية مناصاً من السمع لهم والاقتداء بهم في كل شيء جميل، ويسود التوافق والانسجام بين القادة والأتباع ما دامت القيادة تسير وفق منهجها القويم، فإذا انحرفت القيادة عن منهجها، فقدت الرعية قدوتها العملية، وسادت الأثرة، واضطرب أمن المجتمع، ولابد حينئذ أن يكون القادة من غير ذوى الرسالات والمبادئ السامية فينعدم التجاوب والتفاعل الوجداني بين القادة والأتباع، وتتوزع الميول، وتتباين المقاصد، ولهذا كله ولغيره، أوجب القرآن الكريم التأسي بالرسول عليه الصلاة والسلام؛ في سلوكه ومعاملاته وسياسته وحسن قياده لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومما لاشك فيه أن القيادة الرشيدة هي محور النجاح والعزة للمجتمع الذي تقوده، وأن القائد الرشيد يحمل أنباعه على التأسي به في رشده وخيره. وبذلك تتألف أمة قوية عزيزة، من مجموعة كل فرد فيها أهل للقيادة الرشيدة.
وقد قضت حكمة الله أن يكون الرسل والأنبياء من الأمم التي بعثهم الله إليها، يصطفيهم من أممهم ليكونوا أقرب إلى قلوبها، وأبصر بأحوالها وأدوائها، ليصلوا بأممهم إلى الغرض السامي الذي يريده الله للإنسانية، وهذا إرشاد رباني إلى أن القيادة يجب أن تكون من صميم المجتمع الذي تقوده، لأنها حينئذ تكون أعراف بمواطن العلل، وما يصلح للأدواء من أدوية، وتكون أحرص على خير مجتمعها من قيادة غريبة عن المجتمع، لا تعرف علله، ولا تحرص على خيره