/ صفحة 79 /
أي حرج في السعي نحو امرأة ما، لعلمهم أنها تروي حديثا نبويا بذاته، على أنه من الصعب هنا أن نحصى من اشتهرن برواية الحديث عن النبي أو عن أحد الصحابة، أو التابعين أو تابعي التابعين، فهن كثيرات ازدحمت بأخبارهن كتب الحديث، وأفاضت في ذكرهن كتب التراجم والطبقات.
ثم انتقلت الدولة الإسلامية بعد محمد عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين من بعده إلى الأمويين ثم العباسيين، وهنا نلمح تلون ثقافة المرأة بلون مغاير لما كان قبلا بسبب دخول عنصر جديد على الحياة الأجتماعية الإسلامية وهو الموالى، وتتميز تلك الفترة بازدياد الاهتمام بالأدب ورواية الشعر وفني الغناء والموسيقا، حقا لقد وجد الشعر والغناء وغيرهما في العصور السابقة للعباسيين الذين اعتمد حكمهم على الموالي، والذين امتلأت قصورهم بالإماء والجواري من كل صاحبة صوت، أو ناظمة شعر أو قارعة دف، أو ضاربة بوتر.
وبلغت الدولة الإسلامية في ذلك العهد من الاستقرار السياسي ما كفل لها الأمن والاطمئنان، وازدحمت بغداد بالرجال والأموال والقصور، وما تستلزمه حياة القصور من ألوان الترف والنعيم والرفاهية، فارتفع قدر الآداب والفنون، واهتمت به راغبات الشهرة من النساء، وصادف ذلك هوى ورغبة في نفوس السادة والأمراء، فأجزلوا العطاء لكل من أحسنت غناء، أو أجادت لحنا، أو أبدعت نظما، ونتيجة ذلك تغلب الجانب الفني على حياة المرأة، حتى لقد أسهم في الانتاج الفني لذلك العصر، نساء من بيت الخلافة نفسه.
على أن تلك الحياة لا تعدم أن توصف بأنها حياة علمية، إذ استلزم ذلك الجانب الفني الإحاطة الشاملة الدقيقة بأخبار الشعراء والرواة والكتاب والعلماء والفقهاء والقواد والأمراء والخلفاء منذ صدر الدولة الإسلامية، ومعرفة ما كان في حياة هؤلاء من نوادر وطرائف وملح، وصار الالمام بذلك أو بشيء منه وسيلة الحظوة عند السادة الأكابر.
ثم أصاب الدولة العباسية ما أصابها من تفكك وإنحلال، بعد حياة الدعة