/ صفحة 156 /
أما في ظل الإنصاف وتطبيق موازين القسط والإنسانية، فتعيش الجماعات نشيطة على العمل بياض نهارها، وعلى التفكير والإبتكار سواد ليلها، ناعمة البال، تروح وتغدو، مترقية في سلم السعادة، متسامية في نعيم الحضارة، مدركه لقيمة الأوقات والساعات، شاعرة بوجودها وما عليها أن تؤديه في بناء الحضارات.
والمتجبر كثيراً ما يضطر الناس إلى الكذب والتحيل، والخداع والتدلل، ويعمل على إضعاف ثقة الناس بأنفسهم، وربط عزائمهم بإرادته، وإراداتهم بأهوائه، فيعيشون مساكين بائسين متواكلين متخاذلين متقاعسين متفاشلين، قد عطلوا سر خلافة الله للإنسان، وهدموا ما أنشأه من عامر البنيان.
عندئذ تنزل المحنة بالأخيار، فإما أن يلجئوا إلى ألفة النفاق والرياء ومسايرة الأشرار والخبثاء، ليأمنوا على أنفسهم وأهليهم ويتمتعوا باللذة الحاضرة القريبة، ويعيشوا في راحة فانية سريعة، وإما أن تشتد منهم العزائم، فيقاوموا الطغيان، ويحاربوا النزق وحزب الشيطان، ويتحملوا في سبيل ذلك ما يتحملون من عنت وأذى، ويذوقون ما يسامون من اضطهاذ وبغى طمعا فى ارضاء الله، ودفاعا عن حرمه، وهم موقنون أن البقاء للأصلح، وأن الغلبة للأنفع.
(فأما الزبد فيذهب جفاه وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
بيد أن هذه المجاهدة عسيرة، وهذه المقاومة صعبة عزيزة إلا على من عصم الله، قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر).
لذلك نجد الله تعالى يظهر بطشه قبل أن تتم فصول الرواية، وينفذ سنته قبل أن تصل الأمور إلى النهاية، فيأخذ ـ سبحانه من قادر ـ في البطش بالمتجبرين، والأخذ بيد المقهورين، خشية أن يؤمن الناس بالطغيان، ويستسلموا لدعاة البغي والعدوان، وفي هذا تذكير بسنته، وإظهار لعزته وقهره.
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).