/ صفحة 256 /
ابن سينا ـ بين الفرس والعرب
لحضرة صاحب السماحة العلامة الأستاذ محمد تقي القمي
السكرتير العام لجماعة التقريب
رغم تقدم العلوم واتساع دائرة البحوث في العصر الحديث، نلاحظ أن السماحة العلمية في عصر ابن سينا كانت أكثر جداً مما هي عليه الآن، وأعني بالسماحة العلمية: تجرد العلماء من التعصب لبلد أو لغة، وإقبال طلاب العلم على مؤلفات العلماء، دون نظر إلى مذهب المؤلف أو عنصره.
نعم. لم يتعصب العلماء القدامى للغاتهم الأصلية، وإنما التمسوا اللغة التي رأوها أصلح لإبراز أفكارهم، وأنسب لتبليغ آرائهم، فاعتبروها لغتهم والتزموها.
وهذا التسامح بالنسبة للغة لم يقتصر على محيط العلماء، بل تعداه إلى كل بيئة ومكان حتى شمل بعض الملوك المتنافسين والبلاد المتناحرة، وخير مثل لذلك ملوك آل عثمان وملوك الدولة الصفوية، فالسلطان سليم والشاه اسماعيل كلاهما كان يتذوق الشعر ويقرضه، إلا أن الأول وهو السلطان سليم التركي كانت جل أشعاره بالفارسية، وله ديوان في الشعر الفارسي، والثاني وهو الشاه إسماعيل الصفوي كان يقرض أشعاره بالتركية. وهذا رغم الخصومة واللدد بين الصفويين وآل عثمان، وبين السلطان سليم والشاه اسماعيل بالذات، ورغم الحروب الدامية بين فارس وتركيا، ورغم الاختلاف المذهبي الشديد بين الدولتين، إذ كان العثمانيون