/ صفحة 27 /
وفي مثل ذلك من الحيرة - أقرّ - ابن سينا بعد طول ما أجهد نفسه في فلسفته، وفخر الدين الرازى بعد ما أصال في تأملاته، بالعجز عن معرفة الموجود الواجب الوجود، بل أقرّا مع هذا بالعجز عن معرفة حقائق هذا الوجود، وأسفا أن صرفا حياتهما في غير طائل، ورجع كل منهما بعد طول السفر خاوى الوفاض، وقالا: إنهما لو استقبلا من أمر هما ما استدبرا، لما صرفا حياتهما في شيء باطل، ووهم واهم. ما أعجز الإنسان، يجهل كل ما حوله، ثم هو يؤلف كل هذه الكتب التي لاعداد لها، ثم يفتخر بها، ولو أنصف لخجل منها، وحرق أكثرها، والأعجب من ذلك هذا الغرور الذي يستولى على بعضهم، فيزعم أنه العالم النحرير، والفيلسوف الكبير، أو يزعم أن عقيدته التي اعتقدها حق لا باطل فيها، وعقيدة غيره باطلة لا حق فيها، فما هذا الحق الذي يتباهون به، ويتعصبون له، ويملؤون الدنيا فخراً به، ويعيبون غيرهم بالصدعنه؟ كلا ليس في أيديهم حق بحث وليس يعلم الحق إلا الله، يعلم ما ظهر وما بطن، ويعلم السر والعلن. أما غيره فلا يعلم إلا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.