/ صفحة 339/
كلمة التحرير:
من ذكريات المحرم
يصدر هذا العدد من (رسالة الإسلام) إن شاء الله تعالى في شهر (المحرم) اول شهور العام الهجري، وهذا الشهر يثير في نفوس المسلمين ذكريات جليلة تجدر بنا أن نقف عندها وقفة المتدبرين، وننصت إلى ما توحى به إنصات المعتبرين:
إن شهر (المحرم) يذكرنا بحادث الهجرة حين اشتشري خطر الباطل على الحق، وأصبح أهل الإيمان والخير قاب قوسين أو أدنى من كارثة كبرى توشك ان تقع في مكة، ولو وقعت يومئذ لا نتصر الشيطان انتصاراً مبينا، ولا ندكت إلى الأبد صروح الهدى والخير والصلاح، وعاد العالم سيرته الأولى يتخبط في دياجير الشرك والوثنية) ويرزح تحت أثقال الظلم والعبودية.
خرج محمد بن عبد الله من لدة الذي نشأ بين ربوعه، وأشرب منذ الصغر حيه، قاصداً بلداً آخر، لا فراراً بنفسه، ولكن فراراً بدعوته، والتماساً لأرض صالحة لبذرته: خرج بعد أن دبر الشيطان مكيدته التي أحبطها الله، وكان له صاحبان: على بديله في الفراش، والموتُ يرصده، وأبو بكر رفيقه في الغار، والكفر ينشده،فلم تشهد الارض يومئد ثلاثة أزكى نفوسا، واطهر قلوبا، وأعظم فداء من هؤلاء الثلاثة، ولم يسجل التاريخ شرفاً خالداً كهذا الشرف العظيم معظم غايته، ونبل وسيلته.
إن الهجرة لأقوى دليل على صحة العزيمة، وقوة الإيمان، فإن المرء لا يترك بلده وأهله ومتاعه وما ألف من حياة رتيبة، ليضرب في أفاق هي عليه غريبة؛ إلا وقد التي بين عينيه عزمة صادقة ونكب عن ذكر العواقب المثبطة جانباً، أما الأعيان الذين