/ صفحة 342/
وكأن صوتا من أعماق قلبه يناديه: أنت لها يابن رسول الله، فقد كشف الله بجدك الظلمات، أحق الحق وأبطل والباطل حتى جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأبوك هو سيف الله البتار الذي لم يستقر في غمده حتى ذلت رقاب المشركين، وخسئت عيون المنافقين والمفسدين، فقم ـ أبا عبد الله ـ فكافح وناضل كما كان أبوك وجدك من قبلك، وذذ عن الحياض، وادفع الظالمين وطهر الأرض من أهل البغي والجور والفسوق، إن آلك وأصحابك قد سيموا الخسف، وألبسوا ثياب الذل، وإن النساء والأطفال واليتامى والأيامي قد أحيط بهم، فهم لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلان فمن يكشف عنهم الغمة إن لم يكشفها ابن علي وفاطمة؟.
كأنما كان الحسين يسمع صوتا من أعماق قلبه يناديه بهذا النداء المؤثر، ويلح به عليه في ليله ونهاره، وحين ينام وحين يقوم، فلم يجد بدا من تلبية النداء، والصراخ للصارخين الفَزِعين، ولم يأبه لثبيط المنبطين، ولا تخويف المخوفين، ولم يرده عن جهاده في سبيل الله أن أعداءه فجرة لا يتقون الله، ولا يرقبون في آل رسوله إلا ولا ذمة، ذلك بأنه ذائد مجاهد يقوم بأمر الله، فلا عليه أن ينصر أو يخذل فكلاهما له شرف (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنين) فإذا كان قد استشهد في سبيل الله والحق فلقد باء قلتواه بلعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وفاز هو بأعظم للدرجات عند ربه مع الذين أنعم الله عليهم من السبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
* * *
تلك ذكريات عن شهر المحرم؛ فلذكرها ولنعتبر بها، وليكن لنا في ديننا وسلفنا أسوة حسنة (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).