/ صفحة 420/
الإنسان في سلوكه
لحضرة الدكتور محمد البهي
أستاذ الفلسفة بكلية اللغة العربية
ـــــ
ـ 1 ـ
كثيراً ما يتبع الإنسان هواه في سلوكه وتصرفاته؛ فلا يتقيد فيها بمبدأ معين: يسير في أي اتجاه حسبما يهوى؛ لا كما يجب عليه. ما يهواه الإنسان هو ما يرغب فيه. ودافع الرغبة عنده تحقيق أمانيه وآماله الشخصية. وما يجب عليه هو ما يفرضه المبدأ السلوكي العام أو العرف الجاري في جماعته. وبقدر ما ينطوي هوى أي شخص ـ أو تنطوي رغبته ـ على النظرة الفردية في الحياة، بقدر ما يعبر المبدأ العام في السلوك أو العرف السائد ـ عن رعاية الجماعة والحرص على مصلحتها فيما يأتي به الإنسان من ضروب التصرف والعمل.
واتباع الإنسان هواه من شأنه إذن أن يبقيه في الدائرة الخاصة به، ويبعده عن أن يقر بمشاركة غيره له في مقتضيات الوجود. واسترساله في اتباع الهوى يودي به حتما إلى الاعتداء على وجود غيره في الجماعة التي يعيش فيها، لأن مطالب الذات الخاصة وأمانيها الشخصية تئول في آخر الأمر إلى الميل إلى السيطرة على أوسع حين في الحياة العامة في كثير من أركانها. وفي تحقيق هذا الحيز الواسع من إنسان ما تضييق بالطبع على الآخرين الذين يشاركون هذا الإنسان في الوجود.
ولذا كان الهوى من أسباب الخصومة والنزاع بين الناس، أو هو السبب الرئيسي فيها، كما أنه إذا ارتفع به إنسان وظن أنه بهواه قد ساد فلابد أن يهوى