/ صفحة 25/
ليأخذبهم إلى السمو عن مواطن الأهواء والنزاعات، والترفع عن معانى الأثرة والأنانية، وسبل الشّر والفساد، ويجعل منهم قوة موجهة إلى الخير، متعاونة على البر.
فمتى يخضع المسلمون لتعاليم ربهم وارشاده وهو يأمرهم أن يكونوا جميعاً أمة واحدة لا تعرف النزاع ولا الشقاق ولا التقاذف، ولا التقاطع، ولا العصبية الجنسية، ولا العصبية المذهبية؟ وفيم هذه الخلافات المستحكمة التي لفتتهم عن قصدهم، ولوَتْهم عن سبيلهم، وفرقت كلمتهم وجعلتهم شيعاً وأحزابا، وفيم هذه التفرقة وهم على كلمة سواء في توحيد الله والايمان بوحيه ورسله، والايمان بيوم البعث والجزاء، والايمان بأصول الأحكام التي قررها كتاب الله الخالد، وجعل منها معتصما للجميع، إذ يقول: ((و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)) ((و ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون)) .
ألا ان هذه الخلافات قد صرفتنا عن النافع العملى، واستغرقت جهودنا الفكرية في مختلف الأزمان والأوطان، ولو أن المسلمين كانوا قد تخففوا منها، أو هوّنوا شأنها فلم يضخموه ولم يحرصوا على تلقينه لأجيالهم جيلا بعد جيل; لوجدت العقول مجالا غير مجاله فأثمرت ثمرات طيبات مباركات، ولوِّطدت أواصر المحبة والتعاون بين أهل الدين الواحد والأصول الأساسية المتفق عليها، ولما وجد أعداؤنا منفذاً الينا لا في افكارنا وعقولنا، ولا في أو طاننا وأعمالنا.
انه لو حُسبت الأوقات التي ضاعت وتضيع في الخلافات النظريه، والجهود التي بذلت وتبذل في كل شعب قديماً وحديثا لدراسة موقف كل طائفة من الأخرى فيما تقول به من كذا، أو فيما تنكره من كذا، لهالتنا كثرتها، ولعز علينا أنها ذهبت هباء لم تفد منها الأُمة شيئا الا ابقاء العدوات والأضغان، بل تثبيتها وتنميتها، فاللهم هىء لنا من أمرنا رشدا، وألف بين قلوبنا، واحمنا من نفوسنا وأهوائنا، واهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، آمين.