/ صفحة 27/
التصفية، وأنه لم يعد من الممكن أن يطول عمره أكثر من سنوات قليلة مهما بُذل في سبيل ذلك من الجهود واتخذ من ألوان العلاج.
وقد يظن بعض الناس أن هذا إسراف في التفاؤل، أو تعجل في تصور عالم أمثل من هذا الذي أنهكته المطامع، وأفسدته الشرور، ولكن الدلائل تدل على أنه ليس أملا بعيداً، فإن الامبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغرب عن أملاكها إلى عهد قريب، قد عانت من جراء الاحتفاظ بهذه الأملاك ألوانا من المشاق، حتى انحلت قبضتها انحلالا ظاهراً في كثير من المواطن التي كانت تتشبث بها، ولا تقبل في شانها عدلا ولا صرفا، وإذا كلت يد الاستعمار في بريطانيا فانها في غيرها أشد كلالا، وأسرع انحلالا.
يقابل هذا الاحساس حركة عنيفة من أهل الاستعمار الحريصين على بقائه أو طول أمده، وهذه الحركة وان كانت تشبه حركة الجريح الذي أنفذت مقاتله فهو يتمسك بأهداب الحياة، ولا يرضى بأن يستسلم للموت في يسر ورضا; لكنها حركة مخيفة، وقد تصبح خطيرة إذا لم يتنبه لها المكافحون للاستعمار، الراغبون في القضاء عليه، ذلك أن المستعمرين يعملون الآن على أن يفتُّوا في عضدنا من ناحيتين:
أولاهما: أننا لم نعد العدة للاستغناء عنهم في صناعاتنا وأسلحتنا واقتصادنا وكثير من حاجاتنا التي لا بد لنا منها، فهم يلوّ حون لنا دائماً بهذه الحاجة، ويحذروننا الفراغ الخطير الذي يهدد حياتنا ومجتمعنا لو تركونا أو حاصرونا، وَقد يجدون منا من يستمع إليهم، ويتخوف نتائج معاداتهم، والقطيعة بيننا وبينهم، ولعل من الانصاف ألا نلوم هؤلاء المتخوفين، أو نرميهم بالضعف أو بالاستماع إلى تحذير المحذرين، فقد يكون لهم بعض العذر في ذلك، وقد أظهرت أزمة المغرب أن التفكير في مقاطعة فرنسا علمياً أو تجارياً أو صناعيا من جانب المسلمين والشرقيين تأييداً لأهل تونس ومرا كش، قد اصطدم بما هو متوقع