/ صفحة 288/
الإثبات في المسائل التجارية:
فيما سلف راعت الشريعة الإسلامية وضع القيود والدقة والحذر إلى حد التشدد، فتقوم فى ذهن البعض مظنة تعطيل بعض مصالح المتعاملين وافساد عوائدهم واهمال أعذارهم، ولكن الآية التالية سارعت إلى دفع هذه الشبهة، ورد هذه المظنة، والشريعة دائما تقدر الضرورة بقدرها وتبقى للناس اليسر والتسهيل حيث يجب ذلك: ((يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)) فاستمرت الايات بعد ذلك تقول: ((الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها، وأشهدوا إذا تبايعتم ولا بضار كاتب ولا شهيد، وان تفعلوا فانه فسوق بكم واتقوالله ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم)) .
ثم يجىء بعد ذلك فى الآية التالية حكم الضرورة عند تعذر الكتابة فتقول: ((و ان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة)) والعبارة واضحة فى أن العذر كالسفر مانع من الكتابة أو معف منها، وعبارة (فرهان مقبوضة) فيها النص على عقد الرهن بأنواعه، ومنها الرهن الحيازى الذي من شرائطه أن يبقى الشيء المرهون فى حوزة الدائن المرتهن بحيث لو خرج منها بطل الرهن - فإذا قام مثل ذلك العذر وهو السفر الذي ذكر على سبيل المنال وأتمن الناس بعضهم البعض، فلا ينتهزن المدين فرصة عدم الكتابة وينكر الدين، وفى ذلك تقول الآية: ((فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذين أؤتمن أمانته وليتق الله ربه، ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه والله بما تعملون عليم.))