/ صفحة 290/
أفلا تنزع معى إلى هذه الحياة البدوية التى تحملك حملا على الحل والترحال وتحويل الحال. فأنت تارة تدعو إلى ما ينوبك فتى جواداً يملا القصاع، شجاعاً يضرب رءوس الكماة المدججين فى السلاح، وأخرى توقظ رفاقك الذين انتشوا كرى لا خمراً، فأناخوا رواحلهم بمكان غليظ. لقد وقعت النوق أول الليل حيث شجر المرخ ملحقاً ومنتجاً، ورفه الفتيان عن قلائصهم، وعن أنفسهم فى اغفاءة قصيرة لم يشأ ((الشماخ)) أن تطول فهو لايسمح لهم أن يريحوا ويستريحوا الا بقدر ما تشرب الطير - قليلا كحوس الطير - ثم النجاء النجاء على كل مفتولة الذراعين طويلة العنق تامة الخلق...
قلت: مهلا سيد الشيخ، فنحن فى عصر الطائرات النفاثات لا عصر القلص الناجيات. وليس من مقتضى السفر الآن أن تكون أشعث أغبر. وأن تجر الشواء ملهوجا ولما ينضج كلا بل أنضجه ما شئت أو شاء لك الانضاج. أو ان أردت واقع الحال لاتنضجه فإن غيرك يؤدى هذا عنك، وما عليك الا أن تأكل هنيئاً مريئاً، لقد ضرب الدهر بحجاب كثيف بيننا وبين الشماخ وشعره ووسائل عيشه بل لقد نقصت قواعد السلوك التى لعله كان يحسبها باقية ما بقيت السموات والأرض، نعم. نقضت واستبدل بها نقائضها. والا أفيرضى سيدى الشيخ، وإذا رضي افيرضى له زملاؤه فى المجمع اللغوى أن يبدو ((منخرق القميص)) أو ((ممزق الثياب)) أو أن يقدم لضيفه قصاع الشيزى وقد فاضت بما لذوطاب فى ذوق البادية البائدة. أقول البادية البائدة فما أحسب الاعراب يحيون فيها ويأكلون ويشربون كما كان آباؤهم الاولون يفعلون.
ان حاضرنا لكفيل أن يشغلنا عن ماضينا، وقد يسوغ أن يتجه فكرنا إلى ما نتوقع أو ننتظر مما هو آت، أما مافات، فهيهات هيهات.
انى لاستحى أن أتحدث إلى أساتذة الجامعة- بلغة العامة- عن ((ضمر أنخن بجعجاع قليل المعرج)) و((ملقح من عود مرخ ومنتج)) . ليكن هذا الحديث اذن حديثنا وحدنا وهو حسبنا أو نحن حسبه فما أظن غيرنا من الناس مضيعاً