/ صفحة 319/
والاستاذ عباس العقاد، يقدم أولهما كتابه: ((على وبنوه)) ويقدم الثانى كتابه: ((فاطمة الزهراء والفاطميون)) وقد تعمقاً فيهما ما شاء لهما التعمق وانصافاً ما شاء لهما الانصاف، وعالجا فى هاتين الدائرتين كثيراً من المسائل الصعبة علاجا حراً قوياً عادلا يساعد بغير شك على معرفة الحقائق وتقارب المسلمين.
ونحن ننشر فصلين من هذين الكتابين لما رأينا فيهما من البحث الهادىء المنصف.
(1) من كتاب ((على وبنوه)) :
((الغريب أن المؤرخين الذين أكثروا من ذكر ابن السوداء عبدالله بن سبأ وأصحابه حين رووا أمر الفتنة أيام عثمان، وأكثروا من ذكرهم بعد مقتل عثمان قبل أن يشخص على من المدينة للقاء طلحة والزبير وأم المؤمنين، ثم أكثروا من ذكرهم حين كان علىّ يسفر إلى طلحة والزبير وأم المسلمين فى الصلح. ثم زعموا أنهم ائتمروا على حين غفلة من على وأصحابه بانشاب القتال. ثم زعموا أنهم أنشبوا القتال فجأة حين التقى الجمعان عند البصرة وورطوا المسلمين فى شر عظيم. الغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا السبئية نسياناً تامّاً، أو أهملوها اهمالا كاملا حين رووا حرب صفين.
فابن السوداء لم يخرج مع على إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه ولكنهم كانوا أنصح الناس له، وأوفى الناس بعهده، وأطوع الناس لامره. لم يأتمروا ولم يسعوا بالفساد بين الخصمين، وإنّما سمعوا وأطاعوا وأخلصوا الاخلاص كله، حتى إذا رفعت المصاحف خرج بعضهم مع المحكمة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها، كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة على وان أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالاشتر.
وأقل ما يدل عليه اعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء فى حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنّما كان متكلفاً متحولا، قد اخترع بأخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية. أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا فى أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً امعانا فى الكيد لهم