/ صفحة 325/
ولقد تمت البيعة على الوجه الذي عرفه التاريخ، فإن يكن هناك جدال فلا جدال بين المنصفين فى فضل الائمة الذين أدركوا الفتنة قبل مسعاها من السقيفة ومسعاها من دار أبي سفيان، ولا جدال بين المنصفين فيما ابتغوه من خير وحكمة، فما ابتغى أبوبكر ولا عمر ولا أبو عبيدة نفعاً لانفسهم، وما قصروا بعد يوم البيعة فى نصرة دينهم، وما كان فى وسع أحد أن يبلى أجمل من بلائهم فى دفع الغائلة عن الإسلام من فتنة الردة ومن غارة الفرس والروم، ولا أن يفتح للاسلام فى العراق والشام وفارس ومصر فتحاً أعظم وأقرب مما فتحوه.
وآمن على بحقه فى الخلافة، ولكنه أراده حقاً يطلبه الناس ولا يسبقهم إلى طلبه، ولم تمنعه البيعة لغيره أن يعينه بالرأى والسيف ويصدق العون لأبي بكر وعمر كأنه يعمل فى عون رسول الله وهو بقيد الحياة.
وقد اختلف الصديق والفاروق والامام يوماً أو أياما بعد وفاة النبي (عليه السلام)، فمن شاء فليأخذ بحجة هذا، ومن شاء فليأخذ بحجة ذاك ولكن الحجة الناهضة لهم جميعاً أنهم لم يكدحوا لانفسهم ولا لذويهم، ولم يقفوا دون الغاية فى خدمة دينهم، ولم يحى أحد منهم حياة تريب فى صدقه وصدق طويته وحسن بلائه، وما مات أحد منهم وله من الدنيا نصيب يأسى عليه.
وكانت السيدة فاطمة ترى حق على فى الخلافة، أوترى أن قرابة النبي أحق المسلمين بخلافته، وأن بلاء على فى الجهاد وعلمه المشهود به يؤهلانه لمقام الخلافة، وكان هذا رأى طائفة من الصحابة الصالحين، أدهشم أن يجرى الأمر على غير هذا المجرى، فاجتمعوا عندها، واجتمعوا فى غير بيتها، يتشاورون فيما بينهم، أيبايعون أم يتخلفون؟ ولم نطلع على رواية واحدة ذات سند يعول عليه، ترمى أحدهم بشق عصا الجماعة، أو بالسعى فى تأليب الناس على نقض البيعة...)) .