/ صفحة 40/
وقد خطر ببالى أن أكتب ماسنح لى في حقيقة هذا الأمر على نحو من الاختصار مؤيداً الغرض الذي كان الدكتور يرمى إليه ثم لمى يجعل نفسه في مقام الحاكم ويحكم بما هو الحق ومقتضى الانصاف.
و انى وان كنت قليل البضاعة من العلم والقوة في الأداء بعيد العهد عن دراسة الحكمة، لا أحد بداً من اظهار ما بدالى حين صرفت فكرى وبذلت جهدى في تحقيق أصل هذه المسألة التي هي أول الدين والتعمق في دلائل أهل النظر من صحة استدلال ابن سينا الذي رضي به واتكاً عليه.
وجدت استدلاله على طريقين. طريق أهل النظر وطريق الخواص وأهل الحق، وكلاهما في غاية الاتقان. أما الأول فهو أن العقل إذا نظر في الوجود يحكم بأن الموجود بما هو موجود اما أن يكون الوجود ضرورياً له بمعنى أن وجوده بذاته ولذاته ولا مدخل لغيره في وجود بوجه من الوجوه، وهو واجب الوجود بذاته. واما ألا يكون كذلك، أي وجوده ليس من جهة ذاته بل بسبب الغير، وليس من ذاته اقتضاء الوجود، كما ليس منها اقتضاء العدم أيضاً، والا لم يوجد بتأثير الغير، لأن الذاتى لا يتخلف عن الذات وهو ممكن الوجود ـ واحتمال الأولوية في ذات الممكن بالنسبة إلى الوجود أو إلى العدم ومشاركة ذات الممكن من جهة الأولوية مع الغير في الوجود أو العدم كما قال بعض المتكلمين فلا تنحصر القمسة لمكان تصور القسم الثالث; مدفوع بالأدلة المذكورة في محله ـ فالاستدلال مركب من مقدمتين، الأولى: حصر الموجود في الواجب بالذات والممكن بالذات. والثانية لزوم انتهاء العلل إلى علة ليس فوقها علة دفعاً للدور وتسلسل العلل إلى غير النهاية المحالين ـ وظاهر أن انتقاد ابن رشد ليس في المقدمة الثانية، بل في المقدمة الأولى وهى الحصر المذكور بأن من الممكن ما هو حقيقى أي قد يوجد وقد لا يوجد، ومنه منا هو ضرورى الوجود بسبب غيره. والقسمان وان كانا مشتركين في عنوان الامكان وفي الحاجة إلى علية الوجود، الا أن وجود الممكن الضرورى يمنع انتهاء العلل إلى علة ليس لها علية، لأن اللازم في تمامية الدليل انتهاء العلل إلى ضرورى