/ صفحة 43/
الذي لا يتطرق الخلل إليه، ولا سبيل للشك والتردد فيه، وهو الذي تطمئن به النفس وتستريح من الشبهات والصعوبات النظرية، وهو قريب المسافة من المطلوب بشرط تعمق النظر والتأمل التام في حقيقة الوجود، وأن لهذا المفهوم البديهي الذي يعرفه كل أحد حقيقة أحدية صرفة هي محض الوجود لا يشوبه شيء من شوائب الإعدام، ولوازم الإمكان، كما أن لكل مفهوم حقيقة صرفة هي منشأ انتزاع المفهوم الكلى، الا أن مفاهيم الممكنات لا يتثور منها غير ماهياتها التي ليست من حيث هي الا هي، وتصور وجودها أمر آخر ملازم ((لتصور العلة يخلاف حقيقة الوجود، فانها نفس الوجود الظاهر بنفسه المظهر لغيره، غير أنه لا يعرف بالكنه، لأنه لا حد له يعرف به، فإن الحد عبارة عما به الاشتراك، وما به المتياز، وليس للوجود اشتراك مع الغير، لأن غيره عدم صرف، وإذ لا حد له فلا ماهية له، بل ماهيته انيته، فهو الموجود بالحقيقة، وهو الواحد الحق، وليس كمثله شيء، وإذ هو الموجود بالحقيقة ـ فهو الدليل على نفسه، كما في الدعاء المعروف بدعاء الصباح، المنسوب إلى أمير المؤمنين على (عليه السلام): ((يا من دل على ذاته بذاته، وتنزه عن مجانسة مخلوقاته)) وفي دعاء الإمام الحسين السبط (عليه السلام) في يوم عرفة ((كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟ عمِيتْ عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا)) وفي دعاء الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) الذي كان يقرؤه في أسحار شهر رمضان: ((إلهي بك عرفتك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك)) .
فإذا كان هو منشأ وجود الماهيات، فهو الدليل على كل شيء، كما قال تعالى شأنه:
((أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد)) ؟