/ صفحه 116/
و هذه الخطة التي أوجزتها صحيفة الاستعمار ليست جديدة، ولا هي من مبتكرات العصور التي أمر فيها أمر الغرب، وإنما هي خطة قديمة معرقة في القدم، لا يرجع تاريخها إلى نشأة الإسلام فحسب، وإنما يرجع إلى عهود الرسالات الالهية القديمة، بيد أن نصيب الإسلام فيها كان أوفى نصيب، لان أعداءه لمسوا فيه القوة والوضوح ومجاراة الفطر السليمة، والعقول المستقيمة، فعلموا أنه دين الحياة، وشرعة الصلاح، فكان أكبر همهم أن يناصبوه هذه الحرب الدنيئة: حرب الاسفاف والارجاف والكذب والاختراع، ليغرقوا عامة أهله في لجج الاوهام واخرافات، ويحيروا خاصته بالشكوك والشبهات، ويوقعوا بينهم جميعاً الخلافات والعدوات، ويصرفوا بهذا كله عن دين الإسلام أرباب العقول، ورواد العلوم، وطلاب الحقائق. وهذا سر ما نجده منبثاً في كتب التفسير والاثار من الروايات التي تعرف "بالاسرائليات".
وقد حذرنا الله تعالى من هذه الحرب، وعرفنا مصدرها لنتقيه، فقال مخاطبا رسوله الكريم "قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون" كما أوما إليها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)إذ يقول "جئتكم بالحنيفية البيضاء ليلها كنهارها" يرشدنا بذلك إلى أعظم خواص هذه الشريعة، وهي كونها صافية من الشوائب التي تنافي الفطر، أو تجافي العقول، واضحة المعالم، لا سر فيها، ولا خفاء في شىء من مقاصدها، وذلك سر عظمتها، ومناط عزتها ومنعتها.
فليفهم المسلمون ذلك حق الفهم، وليحرصوا على أن تبقي شريعتهم بيضاء كما أنزلها الله، وليفقهوا نداء ربهم الذي ناداهم به تحذيراً لهم من كيد أعدائهم:
"يا أيهاالذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوالكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلي عليكم آيات الله وفيكم رسوله؟ ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم".