/ صفحة 28/
هذه الآية إذ تقول: "من دون المؤمنين" أما ما راء ذلك من التعامل والتعاون في التجارة والصناعة والبحث والكشف والاقتصاد ونحو ذلك، حتى الشئون السياسية والعسكرية التي يكون للمؤمنين فيها مصلحة، وليس على أحد منهم فيها ضرر، ولو كانوا من غير دولتهم، فلا بأس به، ولا مانع منه، فإنه حينئذ للمؤمنين لا عليهم .
وإن كان المراد بما قاله هؤلاء المفسرون الذين نقلنا كلامهم أن المؤمنين في حالة ضعفهم وخوفهم يقفون من الكافرين موقف الولي والنصرى في الظاهر، فليس هذا داخلاً في عموم النهي الذي صدرت به الآية حتى يستثنى من هذا العموم، فإن المنهي عنه هو اتخاذهم أولياء ونصراء من دون المؤمنين، فكيف نفهم أن يستثنى من ذلك حالة الضعف والخوف، فيكون المراد أنه يجوز لكم حينئذ أن تتخذوهم أولياء من دون المؤمنين .
والظاهر أن الاستثناء في هذه الآية منقطع والظاهر أن الاستثناء في هذه الآية منقطع، والتقدير: لكن إن تثقوا منهم ثقاة فذلك لكم، وليس في هذا أن نواليهم ونناصرهم من دون المؤمنين، وإنما فيه أن ننزل في حالة الخوف على مقتضى القوة بقدر ما نتقي به الضرر، مع أخذ الحذر من الله، واتقاء أن يعلم فينا سوءاً أو نية باطلة، وهذا هو حكم الفطرة، وما تمليه الحكمة، وما كان الله ليكلف المؤمنين في حال خوفهم بأن يستمسكوا بما لا يستطيعون الاستمساك به، وأن يضحوا بأنفسهم ومصالحهم تضحية لا ثمرة فيها، ولا رجاء منها .
* * * *
هذا ما اتسع المجال لكتابته في هذا العدد عن هذه النداءات الثلاثة: السابعو الثامن والتاسع، من نداءات سورة المائدة، وإلى العدد الآتي لعلنا نستطيع أن نلمَّ فيه بما بقي من أطراف هذا الموضوع الهام، إن شاء الله تعالى .
وربنا المستعان وبه التوفيق .