/ صفحه 363/
فاقتلهم فقد أحلوا ما حرم الله، وإن زعموا أنها حرام فاجلدوهم ثمانين ثمانين؟؟؟، فقد افتروا على الله، وقد اخبرنا الله عزوجل بحد ما يفترى بعضنا على بعض، فحدهم عمر ثمانين ثمانين؟؟؟".
هذه الرواية تدلنا على أن عمر وعلياً لم يريا درأ الحد بالشبهة في التأويل ولو كان الأمر أنها نزلت لاستثناء من شربوا الخمر قبل تحريمها وماتوا، لكان تأويل الشاربين قريبا، ولما كان يجب قتلهم إذا اعتقدوا حلها لانهم متأولون تأولا محتملا بفهم العموم من الكلام، وليس في الكلام ما يدفع إرادة العموم، فلم يبق إلا أن عمر وعليا فهما أن الآية ليست في هذا الشأن وإنما هي في شأن آخر وهو ما رجحناه.
و إذن فمعنى الآية إنشائي عام لا خصوص له، وجملته: أن العبرة في دين الله ليست بأن يتحرج المؤمنون من تناول المباحات واللذائذ التي يسرها الله لهم حلالا طيبا، وإنما العبرة بالايمان والعمل الصالح والتقوى والإحسان، فإلى هذه الصفات فليتجه الناس لا إلى الترهب، ولا إلى التزهد، فإن شأن الذين يتصفون بها أن يضعوا كل شي ء في موضعه، وأن يتنالوا ماأحل الله لهم تناولا مشروعا، يعرفون بالايمان فضل الله فيه، وبالتقوى تصفيته من كل ما يشوبه، وابتغاة رضوان الله والمقاصد الصحيحة به، وبالاحسان عدم الاسراف فيه بما يضر المرء في نفسه، أو بما يتبعه تضييق على غيره، أو تعطيل لمصالح الأُمة ومنافعها المتوقفة على الاقتصاد فيه.
وكون عدم الجناح في تناول المباحات خاصا بأصحاب هذه الصفات; علته أنهم الذين من شأنهم أن يضعوا الأمر في ذلك موضعه دون طغيان ولا انحراف، أما الكافرون المحرومون من لذة الايمان والتقوى والاحسان وابتغاء وجه الله والمقاصد الشريفة، فلا يدركون إلا أنهم يتمتعون "و الذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام والنار مثوى لهم".