/ صفحه 387/
لا دين الاحقاد والكراهية بينهم، ولهذا جاء يدفع السيئة من أعدائه بالحسنة منه، كما قال تعالى في الآية ـ 34 ـ من سورة فصلت "ولاتستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالنى هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
فأراد الإسلام أن يجمع بين هؤلاء المتنافرين من العرب واليهود في هذا الوطن الجديد، وقد قبله العرب ديناً لهم وبقى اليهود على يهوديتهم، فجمع بينهم في هذا الوطن الجديد برابطة الوطنية، ليعيشوا فيه جنبا لجنب إخوانا في الوطن لا يفرقهم ما بينهم من الاختلاف في الدين والجنس، لان الإسلام يرى أن الدين لله يحاسب عليه في الاخرة، وأن الوطن لجميع الناس على اختلاف أديانهم، كما يرى أن الناس كلهم لاب واحد وأم واحدة، فلايصح أن تفرق بينهم فوارق من
الاختلاف في الجنس ونحوه، لانهم خلقوا ليتعارفوا لا ليتنا كروا، كما قال تعالى في الآية - 13 - من سورة الحجرات: "يا أيها الناس إنا خلفناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أبقاكم إن الله عليم خبير" وبهذا كان الإسلام أول من أتي الناس بذلك الاصل العظيم: الدين لله، والوطن لجميع النس.
و قد توصل الإسلام إلى هذه الغاية العظيمة بإبطال ما كان بين أهل ذلك الوطن قبل الإسلام من معاهدات مفرقة بينهم، ليعقد بينهم معاهدة جديدة تجعلهم إخوة في هذا الوطن، فينسى العرب فيه أنهم عرب، كما ينسون أنهم أوس وخزرج، وكذلك ينسى اليهود فيه أنهم يهود كما ينسون قبائلهم التي كانت تفرق بينهم.
فعقد بين المهاجرين والانصار ـ الاوس والخزرج ـ واليهود معاهدة جديدة تخالف ما كان بينهم من معاهدات، وتوافق الغرض الجديد الذي يريده لذلك الوطن، وكتب بها كتاباً وادع فيه اليهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم وساوى بينهم وبين إخوانهم في الوطن من المسلمين، فكانت هذه المعاهدة فتحاً جديداً في السياسة الدينية، أقرت حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرمة الاديان، بل كل هناك الاضطهاد والظلم، والتفرقة في الحقوق بين أهل الوطن، للاختلاف في الدين أو الجنس فأزال الإسلام هذا كله بعدله وقضى عليه بمرونته وسماحته؟