/ صحفة 26 /
وقال المقدسي في كتابه المسمى (كشف الاستار في حكم الطيور والازهار) في صفة (غراب البين): هو غراب أسود ينوح نوح الحزين المصاب، وينعق بين الخلان والاحباب، إذا رأى شملا مجتمعا نادى بشتاته، وان شاهد ربعاً عامراً أنذر بخرابه.
هذه نبذة مما قيل في تعريف (غراب البين) ولم تكن مقصودة بالذات، وإنّما عنيت أن أمهد بها للتعريف بعلة وببلة من عللنا الاجتماعية الفتاكة، ألا وهي علة المناداة بالتفرقة، والدعوة إلى تمزيق الوحدة الاجتماعية بين المسلمين وهذه الوحدة هي أسمى وأرفع من الوحدة السياسية، إذ لا قيمة لأي وحدة سياسية إذا لم تقم على أساس وطيد مر وحدة اجتماعية متينة، أردت أن أشبه هؤلاء الأئمة الذين يعملون أقلامهم وألسنتهم في هذه الناحية، بالغربان الناعقة، أو غربان البين، وقصدت أن أدلل على أن كثيراً من المصائب والمحن التي عاناها المسلمون في ماضيهم وحاضرهم، إنّما ترد إلى التفرق والانقسام، والى سياسة التمزيق والتشتيت.
أدى انقسام المسملين وتخاصمهم فيما بينهم إلى ضعقهم، حتى طمع فيهم أعداء الإسلام، وهذا التاريخ يحدثنا أن أولئك الأعداء كانت فرائصهم ترتعد من ذكر المسلمين، لما كانت كلمهم مجتمعة، ولما كانوا كالبنيان المرصوص.
كان الروم البيزنطيون في عصور الدولتين الأموية والعباسية، ينتهزون الاختلاف والشقاق الداخلي في بلاد المسلمين فرصة لغزوهم، وكان لهم في صميم بلاد الإسلام وعلى حدودها عيون توافيهم بما يجد من خلاف، وما ينشب بين أبنائها من فتن، فينشطون لغزو البلاد الإسلامية، والهجوم على المرابطين من أهل الثغور، وقد يتغلغلون إلى قلب البلاد، فلما وقعت فتة الأخوين العباسيين عبدالله المأمون، ومحمد الأمين، ولما احترب الأخوان، ولما التحمت الجيوش العباسية، والأحزاب السياسة في بغداد وفي غير بغداد من الأقطار، شرقا وغربا، هجم البيز نطيويو على ثغور المملكة العباسية، واستولوا على شطر منها، وارتكبوا