/ صحفة 265 /
وأطلقت الأبستاق على زردشت (الموبد الأول، والفارس الأول، والحراث الأول) وقامت الدولة الساسانية، وأعيد تنظيم المجتمع على أساس الطبقات، مع التعديل الذي اقتضته سنة التطور، فأضيفت طبقة جديدة هي طبقة الكتاب وجعلت تالية لطبقة المحاربين، وأدمجت طبقتا الحراثين والمهنة فأصبحتا طبقة واحدة.
وكان الانتقال من الطبقة الأخيرة إلى طبقة أعلى أمراً عسيراً، فقد أمر الملك رؤساء الطبقات الأربع إذا هم توسموا في امرئ من أبناء المهنة أمارات الرشد والخير أو ألقوه مأمونا على الدين، أو رأوه ذا بطش وقوة وشجاعة، أو اختبروه فإذا هو فاضل حافظ فطن لبق، أن يعضروا عليه أمره، وكان الملك يحيل هذا (المختار) عللى الموابذة والهرابذة لابداء رأيهم فيه بعد اختبارهم اياه، وطول مشاهدتهم لـه، فإذا رأوه مستحقاً أمر الملك بالحاقه بغير طبقته.
وببين تنسر في كتابه خطورة قيام مجتمع بغير طبقات فيقول: (وإذا ضل الناس في زمن الفساد، ولم يكن من سلطان يضبط الأمن، طمعوا فيما ليس لهم، وضاعت الآداب وأهملت السنن وأغفل الرأي، وأقحم الخلق أنفسهم في مسالك لا تعرف نهايتها، وصرحت الغلبة، وحمل بعضهم على بعض برغم تفاوت المراتب والأقدار، حتى يقضى على الدنيا والدين جميعاً... فإذا حجاب الحفاظ والأدب قد ارتفع، ويظهر قوم لا يتحلون بشرف الفن أو العمل، قوم لا ضياع لهم موروثة، ولا حسب ولا نسب، ولا حرفة ولا صناعة، عاطلون، مستعدون للغمز والشر وبث الكذب والافتراء، بل هم من ذلك يحيون في رغد من العيش وسعه من المال. فتبين الملك... أن لا مناص من أن يعيد سبك هذه الأعضاء بعد اختلاطها، فرتب لكل مرتبته، ومنع الناس عن أن يشتغلوا بغير الصناعة التي خلفوا لها). {تنسر ص 35}.