صحفة 305 /
فطرب كل من حضر إلا المبرد، فقال له صاحب المجلس: كنت أحق الناس بالطرب، فقالت الجارية: دعه يا مولاي فإنه سمعني أقول هذا حبيبك معرضاً، فظنني لحنت، ولم يعلم أن ابن مسعود قرأ: وهذا بعلي شيخا، فطرب المبرد إلى أن شق ثوبه.
ولكنا لا نستطيع أن نوافق على أن المبرد كان يدخل في الحكم على الكلام بالجودة، اشتماله على شيء من الغريب، أو شيء من مشكلات النحو، ذلك أن المبرد وإن كان نحوياً، وإن ورد في تاريخه أنه كان يعنى بالغريب، إلا أنه _ وفي هذا الكتاب بالذات _ لم يكن يحرص على الغريب وإذاعته، وإنما كان يشرح الكلمة الغربية حين تعرض في أثناء ما يختاره من شعر ونثر. ولقد يكون مما يساعدنا على توضيح هذه النظرة أن نقارن بينه وبين مؤلف آخر قريب عهد به، وسنرى من خطة كل من المؤلفين ما يوضح لنا ما نحن بصدد الحديث عنه من نظر المبرد للغريب، ذلك المؤلف هو أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، فبالنظرة الفاحصة نجد فرقا أساسياً بين صنيع الرجلين، ونجد البون بينهما شاسعاً في هذه النقطة بالذات، فصاحب الامالي معنى حقاً بكلمة غريبة يشرحها، وبمقطوعات تشتمل على كثير من الكلمات الغريبة يختارها، أما أبو العباس فليس ذلك من معنياته، والسر في هذه أن أبا علي غلبت عليه اللغة، وأبا العباس غلب عليه النحو، والنحو _ لمن يريد أن يشرح قواعده، أو يحل مشكلاته _ لا يعنيه _ في الدرجة الاولى _ أن تكون المفردات غريبة أو غير غريبة، وإنما تعنيه التراكيب الصحيحة، وما ورد في مقدمتي كل من الكتابين يدلنا على منهج مؤلفيهما، يقول أبو علي: ((وأودعته فنوناً من الاخبار، وضروباً من الاشعار، وأنواعاً من الامثال، وغرائب من اللغات، على أني لم إذكر فيه باباً من اللغة إلا أشبعته... ثم لم أخله من غريب القرآن، وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم)) ويقول أبو العباس: ((هذا كتابٌ ألفناه يجمع ضروباً من الآداب ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة،