/ صحفة 319 /
ولكن متى يكون عمل الوسط الذي هو محمود شرعا وعقلا فضيلة، متى يكون الاعتدال بين قوى النفس فضيلة، يجيب الغزالي على ذلك بأنه لا يكون فضيلة إلا إذا كان صادراً عن خلق، ويقول في شرح الخلق((والخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية. فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الافعال الجميلة المحمودة عقلا وشرعا، سميت تلك الهيئة خلقاً حسنا، وإن كان الصادر عنها الافعال القبيحة، سميت الهيئة التي هي المصدر خلقاً سيئا. وإنما قلنا هيئه راسخة لأن من يصدر منه بذل المال على الندور لحاجة عارضة لا يقال. خلقه السخاء، ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ. وإنما اشترطنا أن تصدر منه الافعال بسهولة من غير رؤية، لأن من تكلف بذل المال أو السكوت عند الغضب بجهد وروية لا يقال: خلقه السخاء والحلم فههنا أربعة أمور:
1_ فعل الجميل والقبيح.
2_ القدرة عليهما.
3_ المعرفة بهما.
4_ هيئة للنفس تميل إلى أحد الجانبين ويتيسر عليها أحد الامرين، إما الحسن أو القبيح.
وليس الخلق عبارة عن الفعل، فرب شخص خلقه السخاء ولا يبذل لفقد المال أو لمانع.
وليس هو عبارة عن القدرة لأن نسبة القدرة إلى الامساك والاعطاء واحدة
وليس هو المعرفة، فإن المعرفة تتعلق بالجميل والقبيح جميعاً على وجه واحد.
بل هو عبارة عن المعنى الرابع، وهو الهيئة التي تعد النفس لأن يصدر منها الامساك والبذل، فالخلق إذن عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة... ((هذا ما يقوله الغزالي في تحديد الفضيلة، ومتى تكون الفضيلة.