/ صحفة 342 /
عليه وسلم أن يَصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله صلى عليه وعلم أمره، واستسر به إلى أن أمَره الله بإظهاره ثلاث سنين ـ فيما بلغني ـ من مبعثه، ثم قال له: ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)) ا هـ كلام ابن إسحق ـ فإذا انضم إلى هذا ما هو معروف من أن الوحي كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الفترة متتابعاً، أمكننا أن نرحج أنه لم يقع فاصل زمني طويل بين نزول سورة ((الحِجر)) ونزول سورة ((الأنعام)) وإنهما نزلتا في السنة الرابعة.
وإنما اهتممنا ببيان ذلك واستخرجنا دليله، لأنه يفيدنا في معرفة الجو الذي نزلت فيه هذه السورة، ومعرفة ذلك تفسر لنا عنايتها بما عُنيت به من الأغراض.
نزولها بمكة جملة واحدة:
وقد اختُلِف في نزول هذه السورة: هل نزلت جملة واحدة أو نزلت مفرقة؟ وهل كان نزولها كلها بمكة أو نزلت بعض آياتها بالمدينة؟ ثم الذين قالوا بنزول بعض آياتها بالمدينة قد اختلفوا في تحديد هذه الآيات على أقوال شتى، والصحيح من هذا كله أنها نزلت كلها بمكة جملة واحدة، وعليه أكثر المحققين من المفسرين، وقد أورد ابن كثير في تفسيره الروايات التي تثبت ذلك وأعرض عما سواها، وابن كثيرٍ حافظ نقادةٌ من الذين يَعرفون كيف يتخيرون.
معنى قولهم: (نزلت الآية في كذا) ووقوع كثير
من الاضطراب في إلحاق المدني بالمكي وعكسه:
والسبب في وقوع هذا الاختلاف تعارض الروايات في هذا الشأن، واختلاف مناهج الترجيح، وينبغي أن يعلم أن ما ذكر في أسباب النزول ,وفي إلحاق آيات مكية بسور مدنية، أو آيات مدنية بسور مكية؛ قد داخله كثير مما يُحدث الاشتباه ويوجب الدقة والحذر في القبول، وقد نبه إلى ذلك أهل هذا العلم، انظر ما نقله السيوطي في الاتقان عن ابن تيمية والزركشي وخلاصته: أن قولهم نزلت هذه الآية في كذا، يراد به أحيانا سبب النزول،واحيانا أن حكم الآية يشمله وان لم يكن هو السبب, فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية