/ صحفة 439 /
قلت: والعرب يذكرون القلة، هم يريدون العدم.
ويغلبه طبعه وحبه للقديم، فيستحسن شعراً، لأبي نواس، وهو قوله:
لا أذوى الطير عن شجر قد بلوت المر من ثمره
ثم يقول: فمثل هذا لو تقدم لكان في صدور الامثال.
ونختم هذه الأحاديث بكلمة جامعة للمبرد، تعرض فيها لثلاثة من الشعراء مادخا وذاما، لنرى بعض طرقه في النقد والموازنة، فقد أنشد قصيدة لأبي شراعه القيسي، ثم قال: وهذه القصيدة لم يأت فيها بعمنى مستغرب، وإنما قصدنا فيها الكلام الفصيح، والمعاني الواضحة، فهي وإن لم تكن كقول أبي نواس:
أمام خميس أرجوان كأنه قميص محوك من قناً وجياد
فما هو إلا الدهر يأتي بصرفه على كل من يشقى به ويعادي
في البراعة والنقاء وحسن الوصف، واستقامة اللفظ، فليست في السقوط كقوله:
لقد اتقيت الله حق تقاته وجهدت نفسك فوق جهد المتقى
وأخفت أهل الشرك حتى انه لتخافك النطف التي لم تخلق
وكذلك قوله:
هارون ألفَنا ئتلاف مودة ماتت لها الاحقاد والاضغان
حتى الذي في الرحم لم يك صورة لفؤاده من خوفه خفقان
فقال: ((لم يك صورة)) ثم قال: ((لفؤاده من خوفه خفقان)) وإن لم يكن كقوله الطائي:
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها وزادت على ما وطدت من مناقب
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم سيوف الذي استرهنوا قوس حاجب
في صحة المعنى، وحسن الاستنباط، ولطافة الغوص فليست كقوله:
نُشفّى الحرب منه حين تغلى مراجلها بشيطان رجيم