/ صحفة 59 /
الإنسان صاحب الحضارة الصناعية، وصاحب المذهب الواقعي، أو الاجتماعي في التوجيه الإنساني.
لازم اذن التقدم الصناعي الغربي، انتشار المذهب المادي في التوجيه، وفي بناء الثقافة الغربية الحديثة، واتخذ هذا المذهب من الحضارة الصناعية الغربية حجة له، وسنداً في قيامه وسعة نفوذه. ويعتبر القرن التاسع عشر المسرح الزمني لسيادته كما ذكرنا.
Augut Comte ـ و هو من عمد هذا المذهب ـ يرى أن العقل الإنساني يمر في تاريخ الإنسانية بثلاث مراحل: مرحلة الدين، ومرحلة الميتافيزيقا، وأخيراً المرحلة (الوضعية) أو (الواقعية).
ويرى أن المتحكم في المرحلة الأولى رجل الدين ورجل الحرب، وفي الثانية الفيلسوف والقانوني، وفي الثالثة العالم الطبيعي ورجل الصناعة.
ولأن (الفرد) في نظره هو الحقيقة الأولى التي يجب أن تبتدىء منها الحياة العملية، والشعور (الجماعي) هو الغاية الأخيرة للحياة ـ يرى كومت أن العلوم التي يجب أن تكون (الثقافة) هي: علوم الرياضة، الفلك، الطبيعة، الكيمياء، علم الاحياء، علم الاجتماع. وهو العلم الذي يجب أن تتركز فيه الاهمية. إذ أنه علم الحقائق والقوانين المتعلقة بالجماعة الإنسانية. وهدفه تنظيم الحياة الإنسانية كلها، تنظيم الجماعة الإنسانية تنظيما يتطور فيها حال الحرب إلى حال الصناعة، وحال الحيوانية إلى حالة الإنسانية، وحال الغريزة العمياء إلى حال سيادة العقل، وحال (الانانية) إلى الشعور (الجماعي).
وهذه العلوم التي يراها أساس الثقافة في حاجة ـ لكي تتطور هذه الأحوال بسرعة ـ إلى (دين الإنسانية) وهو الذين الطبيعي الذي يجب أن يكون موضوعه (الإنسانية نفسها) (Grandetre) وهي الطبيعة الكبرى. وقوام هذا الدين: المحبة كمبدأ، والنظام كأساس، والتقدم كهدف وغاية. والانسان بدلا من أن يعبد الله يجب أن يتجه في عبادته إلى الطبيعة الكبرى وهي الإنسانية.