/ صحفة 83 /
الموضوع بالذات، أنه اختار قول عمارة بن عقيل، وعمارة أستاذه، وهذا ليس بذى أهمية بالغة، ولكن المهم أن هذا الشعر الذي اختاره شديد الشبه بالشعر الجاهلي، وهذه الملاحة تلقى ضوءا كبيراً على صنيع المبرد في اختياره من شعر المحدثين، فهو يختار لهم، ولكن أكثر ما يختار قريب الشبه بالشعر الجاهلي، ولذلك نجده يعيب أبا تمام، ويتعصب عليه، ويفضل البحتري، ويستجيد شعره، وما ذلك الا لأن طريقة أبي تمام بعيدة عن عمود الشعر الجاهلي، على أنا نعتقد أن تفضيله للبحتري ليس فقط لأن البحتري يجرى على طريقة الشعر القديم في النظم ـ كما يرى بعض النقاد ـ ولكن لأن شعر البحتري يوافق ذوق المبرد، هذا الذوق الذي يميل إلى سهولة الشعر ورقته، ولهذا لم يعرج على ابن الرومي، مع أن ابن الرومي كانت طريقته طريقة القدماء، ولكن شعره يظهر فيه أثر التفكير والعلم، ونستطيع أن نقول ان المبرد خضع لنظريته هذه فيما يتعلق بجرير والفرزدق وطبقتهما، ولكنه تنكر لها فيما يتعلق بشعراء عصره، ولذلك يقل في كتابه ذكر أمثال أبي نواس، ومطيع بن أياس، والعباس بن الأحنف، وأبي العتاهية، وأمثال هؤلاء من الذين جاءوا بعد الطبقة التي عاصرت الفرزدق وجريرا، أو من الذين عاصرهم المبرد ورآهم، بل اننا نفقد في كتابه أثر شعراء كثيرين، مع أن شعرهم كان في القرن الثالث موضع المذاكرة والحديث، وهكذا يدون المبرد رأيه ولكنه حين يطبق يقصر الاختيار على (زمن دون زمن) كما يقول ابن قتيبة.
[للحديث بقية]