/ صفحه 240/
فذكرت جملة من الرسل، وكانت هي أول سورة عرضت في إجمال لقصة آدم، ثم جاءت سورة الأعراف بتفصيل كثير مما أجملته هذه السور الثلاث في ناحية التذكير بأحوال الأمم السابقة.
سر مجئ الترتيب المصحفي على غير ترتيب النزول:
بقي بعد هذا: السؤال عن الحكمة في تقديم سورة الأنعام على سورة الأعراف وهو سؤال يتعلق بالترتيب المصحفي.
والواقع أن للترتيب المصحفي شأناً آخر غير شأن ما يدعو إلى النزول، يتصل ذلك الشأن بتأليف الكتاب بعد مراحل الدعوة التي استجاب لها فريق كبير استقرت أقدامهم وتكونت جماعتهم، وصار الكتاب بهم كتاب أمة، ترجع إليه في حفظ عقائدها، واستخراج أحكامها ومبادئ حياتها الفردية والاجتماعية، وليس من شك في أنه وضع جديد يستدعى ترتيباً غير ترتيب النزول الذي كان يراعى فيه حالة المدعوين ومعالجتهم لقبول الدعوة، وهو الترتيب الذي نقل به القرآن إلينا نقلا متواتراً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي يظهر به القرآن أنه كتاب المؤمنين.
ومن هنا نفهم السر في أن بدئ القرآن بالسور المدنيات الطويلة، ذات الأحكام التي كلف بها من استجابوا لدعوة القرآن وتكونت جماعتهم في ظله وتحت رايته، ونسب الكتاب إليهم كما نسبوا هم إلى الكتاب، ولعل هذا القدر من التوجيه في حكمة الترتيب المصحفي ومخالفته لترتيب النزول يفتح باب الهدى لمن يحاول مس هذا الترتيب الذي لم يكن إلا بإلهام إلهي، تلقاه الرسول، وملأ قلوب أصحابه فالتزموه، وحفظوا الكتاب وتناقلته الأجيال على هذا الوضع دون تبديل أو تفكير في التبديل، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.