/ صفحه 404/
وإذا كان الحديث يجر بعضه بعضاً، فبعد أن عرفت أن البيانيين استشهدوا لبديع التمثيل بقول الأنمارية كذلك استشهد النحاة بقول بعض العرب عنها فيمن أنجبت معلناً انفرادهم عزاً وسؤدداً.
شاهد نحوي:
من شواهد النحاة على زيادة (( كان )) قال الزمخشري في المفصل (( قسم الأفعال )) مبحث أوجه (( كان )): (( ومن كلام العرب: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثله )) وقد علق شارحه ابن يعيش على هذا الشاهد بتفصيل علمياً وتاريخياً (1).
إن الحديث عن الأنمارية لا يمل منه وإن امتد، إذ ليس يخلو من شذرة علمية أو تاريخية أو أدبية، بيد أن سيرتها إنما عرضت تبعا للمقال في وصف المهالبة، وما يذكر للمناسبة ينبغي أن يقلل فيه ما أمكن التقليل، على أن المهالبة أنفسهم لم يقتض الإلمام عنهم بكلمة إجمالية تشير إلى ما بلغوا من فخار في المكارم إلا التمهيد لأحدهم: يزيد بن المهلب، لترى أنه من الفروع البواسق التي حوتها الدوحة العالية، فكان حرياً أن يقوم بعظائم الأمور، وليس عجيباً أن يولي العراقيين، فيغدو مناط الآمال، ومحط الرحال، ومنتجع العافين، وممدوح الشعراء مضريين وغير مضريين، خندفيين وغير خندفيين، والناس مجبولون على مصانعة المجدود، والاحتفاء به دون رعاية للجنسية أيا كانت:
والناس من يلق خيرا قائلون له ما يشتهي ولأم المخطئ الهبل
وما فتى شأنه متزايدا حتى قلبت الأيام ليزيد ظهر المجن، وقتله بنو مروان فانقلب المداحون له ذامين فيه، وتألب الشعراء المضريون على ثلب آل المهلب جميعاً، وربطت بينهم علائق الكراهة لليمنيين، فهبوا يستغيثون بني مروان الخندفيين ألا يمكنوا لهم في التحكم في المضريين ثايناً.
وشان يزيد هذا في مجملة يحتاج إلى التفصيل في مقال آخر لأنه المقصود بالذات من أول الأمر، لأنه الذي أرث نار الخندفية واليمنية.

ــــــــــ
(1) شرح المفصل ج 7 ص 98.