/ صفحه 422/
دير، وإذا كان يعيش بين الناس، والدنيا من حوله تموج بالأحداث، وتضطرب فيها اعاصير الشر، ثم لا تراه يغني بآمال قومه وآلامهم، فإننا نشك في إحساسه وشعوره، وكيف يستطيع شاعر ـ مهما حاول أن يعيش في برج عاجي ـ أن يرى وطنه يمر بفترة حاسمة في تاريخه والدنيا كلها تغلى من حوله غليان المرجل، والدول تنربص بعضها الدوائر ببعض، ويرى البؤس والحرمان وكوراث الأيام تحل بقومه، ثم يظل هائما في العيون الدعج، والحواجب الزّجّ، والصحاري والقفار، والنجوم والكواكب، ألا يكون طبيعياً أن يتغنى ـ بجانب هذه التحليقات في عوالم الخيال البعيد ـ بأحلام قومه، ويعالج مشاكلهم الأساسية الملحة؟!
لست بذلك أدعو الشعراء إلى الأدب (الملتزم) ولا أريد أن يهدفوا في أشعارهم إلى غاية من الغايات التي يقتتل النقاد حولها، وإنما أدعو إلى أن يترك الشاعر حراً، وإذا كان حقاً صادق الشاعرية، فسيحس بآلام الآخرين، وسيسهم في بناء المجتمع، وسيبذل جهده من أجل تحرير البلاد ورفع مستواها السياسي والاجتماعي والفكري.
وعندي أن دعاة الأدب الملتزم ـ وإن أسرفوا في الدعوة إلى حمل الشعراء على غايتهم التي يرون أن الأديب يجب أن يهدف اليها ـ إلا أنهم معذورون في هذا الإسراف، إذ يرون الشعراء أطلقوا لأنفسهم العنان، وراحوا يحلقون في سماوات التجريد، ويستثيرون الغرائز الدنيا بما ينتجون من شعر مائع رخيص، ثم لا ينظمون بجانب ذلك في الموضوعات الكبرى إلا إذا دعوا اليها، والا إذا أقيمت لهم المباريات والمسابقات في حين أنهم يتطوعون للمناسبات التافهة فينظمون فيها من القصائد والمطولات ما يعتبر عاراً على دولة الشعر.
وما بال شعراء الشباب يجرون في دائرة ضيقة من عواطفهم الطارئة، وأخيلتهم المسفه، فتراهم يهيمون في الحب، ويبدئون ويعيدون في النسيب، وإن أمرهم في ذلك لعجيب، فكل واحد منهم له (ليلي) يهيم بها، وكل ليلى صادة هاجرة، فليس في (الليليات) واحدة مخلصة لصاحبها، مواتية له، وليس فيهن واحدة دون