/ صفحه 116/
الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره، وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون؟)) ((ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير)) فالذي يؤثر هو الحي وإن طواه التراب، والذي لا يؤثر هو الميت وإن ((عاش)) بين الأحباب والأتراب!
والأمم ((تحيا)) و((تموت أو تعيش)) بهذا المعنى، لأنها مجموعة ضخمة من الأفراد، فإن كان هدف أفرادها أن ((يعيشوا)) عاشوا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، وإن كان هدفهم أن ((يحيوا)) فإن الحياة منزلة لا يتبوؤها إلا من يبذل في سبيلها، ويحتمل أعباءها: ((ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم)) أولئك قوم من الأولين، ضربهم الله مثلا للآخرين: كانوا كثرة تعد بالألوف، ولكنها كثرة كغثاء السيل لا رباط، ولا مساك، فروا من الموت جبنا وحصرا على العيش الذليل، فقال لهم الله ((موتوا)) فماتوا ذلا وضعفا وهوانا، وامتد بهم العمر، وهم ((ميتون)) أو بالمعنىٍ الذي قلناه ((عائشون))، حتى إذا فطنوا إلى سر ضعفهم وهوانهم، وعملوا على إصلاح أمرهم، ورغبوا في أن يكونوا أحياء، أحياهم الله حياة العزة والكرامة، وما ذاك إلا بأن جعلهم مؤثرين فاعلين موجهين، لا خاضعين ولا قابعين.
((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون، اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون)).