/ صفحه 180/
الذي قد رأيت، وإنما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس به، وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بشيء مما سمعت، ولا بأمر أكرهه. فقال عمر: لا أجد في أمرك إلا حبسك، فاتق الله وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين، ولا يسعني تركها، وأمر بحبسه.
حبس يزيد بحلب:
ما أدخله عمر السجن إلا رغبة في تقاضيه ما اعترف به من أموال المسلمين في الفتوح لسليمان، لا تشهيا لانتقام شخصي، ولا هوى في استذلال جبار أبي، فما كان عمر لينقم إلا لله، ولقد شفع في يزيد آله، ومن قيده إحسانه، وما نفعته شفاعة الشافعين، فلبث في السجن رضي النفس لما كتب عليه، مترقبا الفرج بين آن وآخر، والرجاء في صفح عمر قريب من وحى قلبه الحنون. حتى مضت الشهور تلو الشهور، ومرض عمر وثقلت عليه العلة. وإذا ما قضى نحبه فسيقوم بالخلافة بعده يزيد بن عبدالملك، وبين اليزيدين من العداوة ما لا تشفيها الأساة، ولا تمحوها الرقاة، وتلك العداوة قديمة مرجعها إلى ما كان من تعذيبه آل الحجاج وتشريدهم في عنفوان سلطانه في خلافة سليمان، غير آبه ومبال برجاء يزيد ابن عبدالملك الملح في كفه عنهم، إذ كانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج زوجه وأم ابنه الوليد فاسق بني أمية، فعاهدها يزيد لئن أمكنه الله من ابن المهلب ليقطعنه إربا إربا، وقد عرف عنه إنجاز إيعاده متى وقعت فريسته في قبضته، والأمل في استلال الحنق منه واه ضعيف، فلنباته في مهد أمه عاتكة التأثير الغرزي، إذ كانت ذات كل على عبدالملك وأحظى نسائه عنده.
ولتربيته في بيئة توطدت فيها أركان الخلافة من جهتي الأبوين فلم يفتح عينيه منذ نعومة أظفاره إلا على أعلام الخلافة ترفرف على ربوع الأبوين، ولم يعرض له ما يلفته إلى توجس خيفة من الانتقام، ولا ما يبعث في قلبه الرحمة على من يقع في حبالته.
فشب يزيد لا يلوى على استماع صيحة حق، ولا استجابة لنداء ضمير حى.